söndag 24 februari 2008

الإنترنت في ليبيا


لـيبيـا

نظرة عامة

يبلغ عدد سكان ليبيا وفق أحدث الإحصاءات عام 2006 حوالى 5.67 مليون نسمة (1)، ورغم الظروف الصعبة التى مرت بها الدولة بسبب إحكام السيطرة في يد الرئيس القذافي الذي أغلب فترات حكمه التي استمرت منذ نحو 38 عاما بمعزل عن الديمقراطية ، فضلا عن سنوات الحصار الطويلة التي فرضت على ليبيا ، إلا أن الناتج المحلى يبلغ 34.8 بليون دولار، ومتوسط دخل الفرد يصل إلى 6362 دولار وفق إحصائيات عام 2004 (2)، وفى مجال الاتصالات تبلغ عدد الهواتف الثابتة 750 ألف خط، وعدد خطوط الهاتف المحمول 100 ألف خط (3)، ويلاحظ أن الأرقام المنخفضة نسبيا فى هذا المجال تعود بالأساس إلى تأخر عمليات التطوير والتحديث المطلوبة فى هذا القطاع نظرا لحالة الحصار التى عاشتها ليبيا سنوات طويلة.

[الاتصال بشبكة الانترنت]

عرفت ليبيا خدمة الإنترنت فى عام 1998 وكانت البداية خجولة للغاية، ولكن بداية من عام 2000 شهد استخدام الشبكة طفرة ضخمة فى عدد المستخدمين الذين بلغ عددهم فى ذلك الوقت عشرة آلاف شخص (4)، وكالعادة فقد أرجع بعض المراقبين السبب فى زيادة اهتمام الدولة بالشبكة إلى الاهتمام الشخصى من قبل القذافى الذى اقترح الإنترنت كسوق عمل للشباب الليبى فى خطابه للاحتفال بعيد الثورة عام 2000 (5).

وفى مناسبات أخرى أبدى القذافى بوضوح اهتمامه بقطاع الإتصالات حيث طالب بتوفير هاتف نقال وكمبيوتر لكل مواطن ليبى وبتقوية قطاع تكنولوجيا المعلومات، واعتبر القذافى أن الإنترنت أهم أداة فى هذا الصدد وذكر بأنه لم يكتشف هذا القطاع إلا قبل ثلاثة أعوام فقط أما اليوم فقد أصبح شخصيا من المتحمسين للخوض فى بحار الإنترنت، ويرى الكثيرون أنه لولا وجود دعوة القذافى الخاصة بالثورة الالكترونية لما تمكنت أى مبادرة ذاتية مهما كبر وزنها من تحقيق أى نتيجة تذكر فى نشر استخدام الإنترنت فى ليبيا (6).

وعمليا كان تأسيس شركة ليبيا للاتصالات والتقنية عام 1999 هو العامل الرئيسى وراء انتشار خدمة الإنترنت فى ليبيا، حيث مارست الشركة ذات الملكية العامة حالة احتكارية استمرت حتى اليوم لأن الدولة فى ذلك الوقت لم تكن تسمح للقطاع الخاص بالدخول فى هذه الأعمال الأمر الذى تغير مؤخرا وإن كان لم يؤثر بشكل واضح على حالة الاحتكار فى تقديم خدمة الإنترنت، ولم تبتعد قبضة الدولة القوية عن هذه الشركة أيضا حيث تولى رئاستها منذ التأسيس وحتى الآن المهندس محمد القذافى نجل الرئيس الليبى (7)، والذى يتولى أيضا رئاسة شركة "ليبيانا" التى افتتحت عام 2004 لتقديم خدمات الهاتف المحمول (8)، بالإضافة إلى أنه يتولى منصب رئيس مجلس إدارة الشركة العامة للبريد والاتصالات السلكية واللاسلكية وهى الهيئة الرسمية المسئولة عن إدارة الاتصالات بالكامل فى ليبيا (9) بالإضافة إلى منصبه فى اللجان الشعبية التى يحتل فيها منصب أمين اللجنة الشعبية للهيئة العامة للمعلومات والاتصالات الأمر الذى يجعله اللاعب الأساسى فى سوق الاتصالات فى ليبيا.

والغريب أن المهندس القذافى لم تتوقف مناصبه عند مجال الاتصالات فقط حيث تولى فى عام 2006 أيضا منصب رئيس اتحاد كرة القدم الليبى (10).

وتسيطر السلطات الليبية فعليا على كل قنوات الإعلام التقليدية، وتحتل ليبيا المركز 145 من بين 167 دولة فى تصنيف منظمة "مراسلون بلا حدود" فيما يتعلق باحترامها لحرية الصحافة (11) وهو الأمر الذى يكشف إلى حد كبير مدى تأثير الإنترنت لدى المواطن الليبى فى الحصول على الأخبار خارج وسائل الإعلام التقليدية الرسمية، وربما يكون هذا الأمر هو الدافع الأساسى فى ارتفاع عدد مستخدمى الانترنت فى ليبيا إلى ما يزيد عن مليون مستخدم وفق بعض التقديرات تضاعف حجم الاستثمارات فى قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ليصل إلى تسعة أمثال خلال ثمانية أعوام (12).

وارتبط ارتفاع أعداد مستخدمى الإنترنت فى ليبيا بشكل مباشر مع أسعار تقديم الخدمة التى كانت مرتفعة بشكل لافت للنظر فى البداية حيث كان سعر الساعة الواحدة يتراوح بين عشرة دنانير إلى عشرين دينارا (13) (الدولار يساوى أربعة دنانير فى المعاملات التجارية)، ووصل سعر الاستخدام حاليا فى مقاهى الإنترنت إلى دينار واحد للساعة، أما الإشتراك الشهرى بطريقة Dial-up فهو فى حدود 30 دينار شهريا (14)، أما خدمة الموجة العريضة فتكلفتها تبلغ حاليا 200 دينار شهريا (15) وهو سعر مرتفع نسبيا فى كل الأحوال ويزيد إذا تجاوز المستخدم حصته التى يغطيها الاشتراك والتى تبلغ 5 جيجا بايت شهريا.

ومن الأسباب التى أثرت على انتشار استخدام الإنترنت فى ليبيا في بدايته هى إهمال تدريس المواد المرتبطة به فى الجامعات الأمر الذى تغير كثيرا منذ إعلان القذافى عن "الثورة الثقافية" الجديدة، وتقول بعض التقارير الصحفية أنه يوجد حاليا فى طرابلس مجموعة صغيرة من المبرمجين تقوم بتدريب وتأهيل نفسها بنفسها ويساعد أفرادها بعضهم البعض بالإضافة إلى خريجى كليات الهندسة الذين أصبحوا مع الأفراد الذين تلقوا تدريبهم فى الخارج هم الجزء الأكبر من أصحاب مقاهى الإنترنت وغير ذلك من قطاع الخدمات الالكترونية (16).

ونظرا للمشاكل الموجودة فى شبكة الاتصال الأرضية الهاتفية فإن الكثير من المواطنين يستخدمون الإنترنت من خلال مقاهى الإنترنت العامة، ويعانى الليبيين من ضعف كبير فى سرعة الشبكة بالإضافة للانقطاع المستمر فى الخدمة مما يؤثر بشكل سلبى على عملية تصفح المواقع أو التحميل أو إرسال الملفات (17)، كما أن الدولة تمنع أجهزة إرسال واستقبال الانترنت عبر الأقمار الصناعية وهو ما يجعل المواطن مضطرا لاستخدام الطرق التقليدية البطيئة والخاضعة للرقابة (18).

ومن الظواهر اللافتة بخصوص صفحات الإنترنت الليبية هى ندرة المواقع التى يظهر عنوانها تحت إطار الملكية الخاصة بالدولة Online.ly ويعود السبب فى ذلك إلى قيام مواطن ليبى يعيش فى بريطانيا بشراء حقوق ملكية هذا العنوان عام 1997 وبدأ بعدها فى تأجير تلك الملكية، وتحاول ليبيا الآن حيازة حق هذه الملكية لاستخدام هذا العنوان على صفحاتها الالكترونية الرسمية (19)، وهذا الوضع الغريب يعطى صورة واضحة عن حالة العشوائية التى ارتبطت بنشأة شبكة الإنترنت داخل ليبيا.

وبالرغم من الصورة العامة المحاطة بالمشاكل فيما يتعلق بوضع استخدام الإنترنت فى ليبيا إلا أن هذا المجال يشهد حركة دائمة باعتباره الوسيلة المتاحة لتداول المعلومات بعيدا عن قبضة الدولة، وترصد إحدى الإحصائيات عدد المواقع الليبية على شبكة الإنترنت وتقدرها بنحو 67 ألف موقع مسجل (20)، ويرى العديد من الخبراء والمتابعين للشأن الليبى أن الإنترنت سيلعب دورا كبيرا فى تشكيل مستقبل الخارطة السياسية والثقافية والفكرية للبلاد (21). ورغم ارتفاع عدد المستخدمين بدرجة ملحوظة فى ليبيا إلا أن التعامل مع الشبكة يواجه أحكاما مسبقة لدى المواطنين فى ليبيا خاصة كبار السن، وقد عبرت سيدة تبلغ من العمر 29 عاما فى رسالة وجهتها إلى جريدة حكومية عن استيائها بالقول: لم أستعمل الإنترنت على الإطلاق ولن أستعمله فى المستقبل أيضا إذ علمت من زميلاتى بأنه يصدر أفكارا بشعة وأشياء لا أخلاقية ولا تمت لمجتمعنا بصلة (22).

الحجب والرقابة والمصادرة

مع بداية عام 2004 تحدثت المصادر السياسية أن القذافى على وشك إصدار توجيهات رسمية إلى مؤسسات الدولة بتنفيذ إجراءات واسعة النطاق نحو المزيد من الإصلاحات السياسية والديمقراطية فى ليبيا، ولكن الأعوام مرت دون أى حركة محسوسة فى هذا الإتجاه، وكان اتجاه الحركة الوحيد هو فى المجال الاقتصادى الذى تم فتحه أمام الاستثمارات الأجنبية (23).

على مستوى القانون والتشريع فإن النظام القضائى فى ليبيا لا يمتلك مرجعية دستورية واضحة يمكن الرجوع إليها بخصوص شرعية القوانين، وقد أعطت "وثيقة الشرعية الثورية" للعقيد القذافى عمليا حق اعتبار فكره الشخصى كمرجعية دستورية تقوم مقام الدستور والمحكمة الدستورية معا (24)، وفى هذا الإطار الفريد لا توجد أى حدود قانونية واضحة للتعامل مع شبكة الانترنت، كما أنه لا توجد مسئوليات واضحة تجاه السلطات التى تتولى مسئولية الإشراف والتعامل مع استخدام الشبكة.

ويمنع القانون الليبى العمل الحزبى، ويذهب إلى درجة اعتبار أى عمل حزبى هو "خيانة فى حق الوطن" تصل عقوبتها إلى الإعدام، ويكفل الدستور الليبى حرية الرأى ولكن "فى حدود المصلحة العامة ومبادىء الثورة"، ومع ذلك فإن القانون 71 لعام 1972 ينص فى مادته 178 على السجن مدى الحياة فى حالة نشر معلومات تعتبر مسيئة إلى سمعة البلاد أو تزعزع الثقة بها فى الخارج (25)، وهذا هو الإطار العام الذى يحكم عمليات النشر وبالتالى يمكن النظر إلى حالة الإنترنت من خلاله.

وقد منحت شبكة الإنترنت فرصة حقيقية للقوى السياسية المختلفة التى يحظر عملها القانون الليبى بالتواجد والتواصل مع جماهيرها من خلال مواقعها المتعددة، وربما يكون أهم هذه القوى هى "الإخوان المسلمين" أو"الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا" وغيرها والتى تتواجد بشكل واضح عبر الإنترنت، وهذا التواجد جعل البعض يقول أن المعارضة الليبية تمكنت من اختراق الشارع الليبى عبر مواقعها الالكترونية (26).

وقد رصدت المجلة السنوية لشمال إفريقيا وجود 27 منظمة معارضة ليبية تعمل من خارج البلاد، وتمتلك 12 منظمة منها أجهزة معلوماتية وتواجدا عبر شبكة الإنترنت، وأهم مراكز تواجد هذه المنظمات هى الولايات المتحدة وبريطانيا. وقد اكتشفت هذه المجموعات أهمية الإنترنت كجهاز إعلامى قليل التكلفة واسع الانتشار الأمر الذى حفزها على استخدامه بكثافة، وكما قال "إبراهيم القراضة" المعارض الشهير فى المهجر أن الإنترنت قامت بتسهيل رسالتنا على نحو كبير للغاية (27).

وعلى الرغم من غياب أى إطار قانونى يحدد لآليات رقابة وحجب المواقع المختلفة إلا أن السلطات الليبية تفرض رقابتها على المواقع المعارضة، وفى بعض الحالات تقوم بتدميرها تماما، ويقول أحد الناشطين من ليبيا أن جميع مواقع المعارضة محجوبة داخل ليبيا ولا يمكن تصفحها إلا عن طريق تخطى البروكسى، ومن هذه المواقع المحجوبة "أخبار ليبيا" http://www.akhbar-libya.com و"ليبيا وطننا" http://www.libya-watanona.com و"ليبيا المستقبل" http://www.libya-almostakbal.com وأنه عندما يحاول أحدهم تصفح هذه المواقع من داخل مقاهى الإنترنت ربما يتعرض للطرد أو ما هو أسوأ من ذلك (28)، بينما يقول مواطن آخر أن هناك حجب واضح لبعض المواقع خاصة مواقع المعارضة وأن الدولة هى المسئولة عن الحجب، وأن الأجهزة الأمنية قامت فى الآونة الأخيرة باستقدام مجموعة من الخبراء من روسيا فى هذا المجال من أجل زيادة قبضتها على تصفح الانترنت (29).

ورغم كثرة التقارير عن الرقابة التى تفرضها السلطات على مواقع المعارضة إلا أن دراسة غير رسمية ذكرت أن أكثر المواقع الليبية نشاطا واستقبالا للزوار هى مواقع المعارضة الليبية، فى حين احتلت المواقع الرسمية بما فى ذلك مواقع الصحف الليبية مراكز متأخرة فى هذا الترتيب (30). ورصدت بعض التقارير غير الرسمية أنه على الرغم من عدم التأكد رسميا من وجود رقابة من الدولة على الصفحات الالكترونية فإن هناك إحساسا دفينا من الريبة والشك لدى المستخدمين تجاه السلطات الحكومية واحتمال لجوئها لأداة العقوبات ولهذا السبب فإن النقاشات التى تجرى حول شبكة الإنترنت تتم فى إطار من الرقابة الذاتية (31).

وتتعدد الحالات التى تم فيها حجب المواقع الليبية النشطة، ومن أحدث هذه الحالات قيام وسائل الرقابة الليبية بحجب موقع صحيفة "ليبيا اليوم" www.libya-alyoum.com التى تصدر من لندن والتى يعتبرها المراقبون من أكثر الصحف الليبية اعتدالا واحتراما لقواعد العمل الصحفى (32)، وقد تعرضت نفس الصحيفة لعملية تخريب واختراق لموقعها من جهة مجهولة أسفر عن تدمير جميع ملفاتها ومحتوياتها وذلك بسبب نشر الصحيفة لتغطية مكثفة لأحداث مدينة بنغازى الدموية على خلفية الاحتجاج الجماهيرى على نشر صحيفة دانمركية رسوم كارتون بها إساءة للرسول فى وقت عجز فيه الإعلام العالمى عن متابعة الأحداث بسبب التعتيم الذى فرضته السلطات الليبية عليها، وتزامن اختراق موقع الصحيفة على الانترنت مع قرار إغلاقها فى الداخل (33).

وقالت منظمة "التضامن" الحقوقية الليبية فى تقرير لها حول أحداث بنغازي صدر فى 1 مارس 2006 أن السلطات الليبية قامت بحجب العديد من المواقع التى نشرت معلومات حول مجريات الأحداث، وتعرضت هذه المواقع للهجوم واستمر اغلاقها عدة أيام، كما قامت شركة "ليبيانا" فى نفس الوقت بقطع الاتصالات عن الهواتف المحمولة بغرض الحد من انتشار المعلومات، بالإضافة لقيام الشركة بإرسال رسائل قصيرة للتهديد بعدم المشاركة فى المظاهرات (34).

وبنفس الطريقة تعرض موقع "ليبيا المستقبل" للحجب والتدمير حيث هاجمه مجهولين وتم تدمير محتوياته، وأوضح الموقع فى بيان له أن المواد التى تم تدميرها لم تتم استعادتها بالكامل، وقال إن عنوان البريد الالكترونى للموقع قد تم الاستيلاء عليه أيضا وحذر زواره من عدم استقبال رسائل بريدية تأتى من هذا العنوان بعد ذلك (35).

وذكر تقرير منظمة "هيومان رايتس ووتش" حول الرقابة على الإنترنت فى الشرق الأوسط أن الحكومة الليبية تمنع الوصول إلى مواقع المعارضة الموجودة خارج ليبيا، وأنه خلال زيارة فريقها إلى ليبيا فى ابريل/مايو 205 لم يتمكن باحثوها من تصفح مواقع "ليبيا وطننا" و "أخبار ليبيا" من داخل أحد مقاهى الإنترنت فى مدينة طرابلس (36).

وقال "عاشور شميس" محرر موقع أخبار ليبيا لمنظمة "هيومان رايتس ووتش" أنه يعتقد أن "الهاكرز" المرتبطين بالحكومة الليبية قد دمروا موقعه أربعة مرات على الأقل خلال السنوات الثلاثة الماضية وكانت آخر هذه المحاولات قد تمت فى 13 يونيو 2005، وقال "شميس" أن الأنشطة التخريبية دمرت كل مواد الأرشيف وأحدثت ضررا كبيرا فى قاعدة البيانات، وأن هذه الهجمات تحدث غالبا بعد قيام الموقع بنشر مواد تضرب عصبا حساسا لدى القذافى أو أجهزة الأمن، وقد قام الموقع بنشر مجموعة من المقالات حول انقلاب 1969 العسكرى الذى جاء بالقذافى للسلطة، وأن هذا الإنقلاب حدث بموافقة أمريكية، كما نشر الموقع مجموعة مقالات أخرى عن الفساد فى نظام القذافى (37).

وبالرغم من الشعبية التى تحققها مواقع المعارضة مقارنة بالمواقع الرسمية إلا أن أغلب المراقبين يرى أن المواقع المعارضة تفتقد الموضوعية حيث تعتمد غالبا على مصادرها "الخاصة" التى عادة ما تكون عبارة عن رسائل بريدية الكترونية يميل أصحابها إلى تضخيم الأحداث كما يؤخذ عليها كثرة الأسماء المستعارة (38)، وأقدم المواقع الليبية المعارضة هو موقع "ليبيا وطننا" الذى يديره الدكتور "إبراهيم أغنيوة" حيث تأسس فى أكتوبر عام 1995، ورغم وضع الموقع على قائمة المواقع المحظورة إلا أنه حقق تواجدا مؤثرا فى الشارع الليبى مما اضطر السلطات للقبول به ومحاولة الاستفادة من شعبيته ببث الإعلانات والردود على معارضيها (39).

ورغم الرقابة والتضييق الذى تفرضه السلطات الليبية على استخدام شبكة الإنترنت إلا أنها أثبتت نجاحا ملحوظا كوسيلة إعلام مؤثرة خاصة فى حالة مظاهرات بنغازى التى اندلعت فى 17/2/2006، وقامت السلطات الليبية بفرض حالة من التعتيم الإعلامى الشديد على هذه الأحداث ولكن الانترنت أفلتت من هذا الحصار كما قالت بيانات الجماعات الحقوقية الليبية، وذكر بيان أن السلطات الليبية قامت بإغلاق عدد من مقاهى الإنترنت كما قامت بمراقبة المقاهى الأخرى، وتم اعتقال العديد من رواد هذه المقاهى للتحقيق معهم بتهمة زيارة "مواقع مشبوهة" (40). ورغم ذلك فإن الأخبار التى تسربت حول الأحداث نشرتها مواقع المعارضة الليبية من خلال رسائل إلكترونية من الداخل.

وبشكل عام تسيطر الحكومة على مؤسسات الإعلام التقليدية استنادا إلى قانون تأميم الصحافة رقم 75 لسنة 1973 والذى تم بموجبه تأميم الصحف والمجلات التى كان يملكها القطاع الخاص (41)، كما أنه لا توجد فى ليبيا أى محطات إذاعية أو تليفزيونية ذات ملكية خاصة، ووسائل الإعلام الالكترونية تديرها الهيئة العامة لإذاعة الجماهيرية العظمى (42)، وقد امتد هذا النظام الصارم ليغطى أنشطة استخدام الإنترنت كوسيلة نشر وتداول للمعلومات وذلك عن طريق منع المواقع المعارضة، وتدميرها أحيانا، نهاية باعتقال بعض ناشطى حقوق الإنسان على خلفية استخدامهم للانترنت، الأمر الذى سنستعرضه لاحقا. ومع ذلك ترى بعض التقارير أن الدخول إلى شبكة الإنترنت فى ليبيا يمثل أمرا ايجابيا بالنسبة لعمليات التحول الاجتماعية، وبالرغم من أن العاملين فى الشبكات الحكومية لا يملكون بأنفسهم إمكانية التأثير المباشر على محتوى الرسالة الإعلامية التى يقدمونها إلا أن محاولات تغيير أشكال العرض وتحصيل المعرفة التقنية سيؤدى فى النهاية إلى تغيير المحتويات نفسها (43).

مقاهى الانترنت

يعود جانب كبير من الانتشار الكبير لاستخدام الإنترنت فى ليبيا إلى انتشار مقاهى الإنترنت فى معظم المدن الليبية خاصة وأن الكثير من متصفحى الإنترنت لا يمتلكون خط تليفون أرضى فى منازلهم، وبالتالى لا توجد أمامهم وسيلة سوى الذهاب لمقاهى الإنترنت والتى تعانى من الإزدحام وضعف قدرات الشبكة بشكل عام (44) . وفى الوقت الحالى صارت مقاهى الإنترنت جزءا أساسيا من أى شارع داخل المدينة جنبا إلى جنب مع المقاهى الأخرى التى اعتاد الناس ارتيادها بشكل مستمر (45).

وهناك الكثير من القيود على حرية تصفح الانترنت من داخل المقاهى يشعر بها الليبيون، ويذكر أحد المواطنين أنه فى فترة سابقة كان يتم تسجيل أسماء مرتادى المقاهى ولكن هذا الوضع تغير حيث فرضت السلطات على أصحاب المقاهى طرد أى شخص يكتشف أنه يتردد على مواقع محظورة مثل مواقع المعارضة أو المواقع الحقوقية، بل أن هذا الأمر هو أحد شروط الحصول على ترخيص مقهى إنترنت (46).

ومن المألوف أن تجد الكثير من الملصقات فوق جدران مقاهى الإنترنت الليبية وعلى أجهزة الكمبيوتر بها وعليها تحذيرات مشددة من الدخول إلى صنفين من المواقع: الإباحية والمعارضة (47) إلا أن هذه التحذيرات لا تجدى كثيرا فى منع الليبيين من تصفح هذه المواقع.

ويرصد صالح إبراهيم رئيس أكاديمية الدراسات العليا فى ليبيا أنهم قاموا بتنفيذ دراسة ميدانية فى مدينة طرابلس اتضح من خلالها أن المشاركين اتصلوا بالإنترنت فترات يومية تتراوح بين ساعة واحدة على الأقل وتصل إلى ست ساعات فى بعض الحالات، كما أن نفس الدراسة كشفت أن غالبية مرتادى الشبكة من الشباب والمراهقين وأن نحو 20% منهم سبق لهم الدخول على مواقع عصابات الجريمة المنظمة، وأن أكثر من نصفهم زاروا المواقع الإباحية ولكن زيارة المواقع العلمية جاءت فى المركز الأول من قائمة الاهتمامات (48).

وتذكر العديد من مواقع المعارضة الليبية الكثير من حالات التضييق على زوار مقاهى الإنترنت خاصة فى أوقات الأحداث المؤثرة مثل مظاهرات بنغازى الدموية، ورغم أن غالبية هذه التقارير لا تؤكدها أطراف أخرى أكثر حيادا إلا أنها تساهم فى رسم صورة أوضاع استخدام الإنترنت داخل ليبيا، على سبيل المثال يذكر موقع "جبهة تحرير ليبيا" أن الأجهزة الأمنية قامت بزيارات مفاجئة وغير معتادة لمقاهى الإنترنت فى مختلف أنحاء البلاد، ولمتابعة التزامهم بتسجيل أسماء المستخدمين، وأن معظم أصحاب مقاهى الإنترنت يقومون بشكل دورى بتزويد أجهزة الأمن بأسماء مستخدمى هذه الخدمات (49).

ويذكر تقرير آخر أن السلطات الأمنية قامت باستدعاء أصحاب المقاهى وإعطائهم العديد من "النصائح" المصحوبة بالتهديدات بوجوب مراقبة زوار المقهى عند استعمالهم لأجهزة الكمبيوتر وهو الأمر الذى دفع هؤلاء للتجوال الدائم داخل المقهى لإحكام المراقبة (50)، وقال تقرير آخر أن الأمن الداخلى قام بمداهمة بعض مقاهى الإنترنت فى طبرق ومضايقة وتهديد أصحابها ومسائلة بعض المتواجدين (51).

ومن حالات التضييق على مستخدمى الإنترنت فى المقاهى حالة المواطن المصرى "سامح محمد العروسي" الذى كان من رواد مقاهى الإنترنت فى المدينة التى يقيم بها فى ليبيا، وكان يقضى الساعات الطويلة فى تصفح المواقع السياسية المصرية، وقد فوجىء العروسى فى يوم من الأيام باستدعاؤه إلى مقر الأمن الخارجى الليبى (المخابرات الليبية) حيث قام المسئولين بتهديده وتحذيره من الاستمرار فى الدخول على هذه المواقع، وعلم المواطن أن صاحب مقهى الانترنت هو الذى قام بالإبلاغ عنه، ومع ذلك لم يستجب لهذه التحذيرات ونشر مقالا فى موقع "عرب تاميز" السياسى المعارض الذى ينطلق من الولايات المتحدة تناول فيه انتهاكات حقوق الإنسان فى ليبيا ضد المصريين، وبعد أيام من نشر هذا المقال ذهبت قوة من الأمن الخارجى لمنزله وكان على رأسها الضابط "فرج العقورى" وقاموا بضرب العروسي واصطحابه إلى مقر الأمن الخارجى حيث احتجز لمدة عشرة أيام، وبعد إطلاق سراحه عاد لمنزله فلم يجد أمواله التى كان يدخرها، وتم تحديد إقامته فى مدينة "قمنيس" التى يقطن بها واستمر لمدة ستة أشهر بلا عمل حتى تمكن من الهروب إلى مصر فى 27/1/2006، ورغم قيام المواطن بإرسال شكاوى لكل الهيئات الرسمية الليبية بما فى ذلك العقيد القذافى نفسه يطالب فيها بفتح التحقيق فيما حدث له وإعادة حقوقه المسروقة إلا أنه لم يتلق أى إجابة (52)

وبغض النظر عن بعض المبالغات فى التقارير السابقة إلا أنها جميعا تقول أن السلطات الليبية وفى نشاطها الدائم لإحكام السيطرة على استخدام شبكة الإنترنت تفرض الكثير من القيود، وتضع الكثير من العقبات أمام الاستخدام الحر لشبكة الإنترنت خاصة من داخل مقاهى الإنترنت العامة.

الإعتقالات [ على خلفية استخدام الإنترنت ]

- عبد الرازق المنصورى

تعتبر حالة الكاتب الليبى "عبد الرازق المنصورى" هى أشهر حالات الاعتقال على خلفية النشر عبر الإنترنت، حيث قامت السلطات الليبية باعتقال المنصورى البالغ من العمر 52 عاما فى بلدته "طبرق" حيث كتب خلال عام سابق على الاعتقال أكثر من خمسين مقالا وتعليقا انتقد فيها الحكومة والمجتمع الليبيين عبر موقع "أخبار ليبيا" الالكترونى الذى يبث من المملكة المتحدة (53)، وكانت عملية اعتقال المنصورى قد تمت 12 يناير 2005 ولم تؤكد السلطات أبدا اعتقاله وظلت أسرته تجهل أى أخبار عنه أكثر من أربعة أشهر (54).

وتمكنت منظمة "هيومان رايتس ووتش" من زيارة المنصورى فى 5 مايو 2005 فى سجن "أبو سليم" حيث قال لزواره أن من قاموا باعتقاله كانوا يحملون مذكرة لتفتيش منزله وأنهم قاموا بمصادرة الكمبيوتر الشخصى الخاص وأوراقة وأقراصه المرنة والمضغوطة (55) كما أوضح أن قيادة "الأمن الداخلى" فى "طبرق" وجهت إليه أسئلة حول المقالات التى كتبها، وأنه لا يعلم بأى تهمة رسمية موجهة له بالإضافة لعدم تمكنه من إقامة أى اتصال مع محام أو مع أفراد عائلته (56).

وبعد عدة شهور من الحبس الإنفرادى أصدرت محكمة ليبية فى 19 أكتوبر 2005 حكما بالسجن على المنصورى لمدة 18 شهرا بتهمة حيازة مسدس بشكل غير قانونى، وفى خطوة نادرة للغاية فى ليبيا وجهت عائلة المنصورى فى ليبيا رسالة للحكومة الليبية ووسائل الإعلام المحلية والدولية ومنظمات حقوق الإنسان تستنكر فيها بشكل واضح اعتقاله والحكم الصادر بحقه (57).

عائلة المنصورى قالت إن القبض عليه كان نتيجة عمله الصحفى وانه اعترف فى التحقيق بكتابة مقالات الكترونية تنتقد دولة ليبيا (58)، وأكدت بيانات منظمات حقوق الإنسان المختلفة أن الحكم الصادر ضد المنصورى هو محاولة واضحة من الحكومة لإسكات حرية التعبير ووجهات النظر المعارضة، ولكن رغم ذلك أصرت السلطات الليبية على أن عملية الاعتقال والحكم بالسجن لا علاقة لها بحرية التعبير، وقال العقيد "تهامى خالد" قائد جهاز الأمن الداخلى الليبى لمنظمة "هيومان رايتس ووتش" أنه كان المسئول عن القبض على المنصورى وأن الرجل لم يتم اعتقاله بسبب مقالة أو إنترنت أو إذاعة، ولكنه اعتقل وسجن لحيازته سلاح دون رخصة (59).

- ضيف الغزال

مثلما تتفرد تونس بأنها صاحبة السجل الأسوأ والأولى في سجن نشطاء الانترنت ، فإن ليبيا تعد الدولة الأولى في سجل الدول التي يقتل فيها كاتب بسبب مقالاته على الانترنت .

استقال الصحفي ضيف الغزال من جريدة الزحف الأخضر -وهي جريدة رسمية تصدرها اللجان الثورية- في 26 مارس 2005. نتيجة لقلقه بشأن الفساد، ثم بدا الكتابة لموقع Libyajeel.com متناولا الفساد ومناديا بالإصلاح ، إلا أنه لم يستمر طويلا ، حيث اختطف بعد أقل من شهرين وتحديدا في 21مايو من نفس العام ، وهناك مزاعم بأن مختطفيه يتبعون الأمن الداخلي الليبي وإن لم يتم اثباتها ، وبعد عشرة ايام عثر على جثته مقطعة الأطراف وبخاصة أصابعه ، وكأنها إشارة أو رسالة واضحة أن قتله كان بسبب ما يكتبه .

وحتى الان ، لم يعثر على الجناة أو ليس هناك الرغبة في العثور عليه أو عليهم ، ليصبح ضيف الغزال أحد ضحايا الإفلات من العقاب ,أول قتيل بسبب كتابته على الانترنت .

- عاشور نصر الورفلى

فى 11 يوليو 2004 اعتقلت السلطات الليبية الناشط الحقوقى عاشور نصر الورفلى بمدينة "مصراته" بعد مطالبته بفتح تحقيق لما تعرض له من سجن ومصادرة لأملاكه الخاصة (60) وأكد الورفلى فى رسالة بريد الكترونية للشبكة العربية أثناء إعداد هذا البحث أن اعتقاله تم بسبب قيامه بنشر مقالات على الانترنت انتقد فيها أوضاع حقوق الإنسان فى ليبيا، وأن الأجهزة الأمنية تفرض تضييقا وتقوم بحبس كل ناشط سياسى أو ناشط فى حقوق الإنسان (61) .

- آخرون

ذكر منتدى ليبيا الحرة، وهو أحد المنتديات المعارضة للحكومة الليبية أن هناك 12 سجينا ليبيا على خلفية استخدام الإنترنت (62)، قد رصد الموقع قائمة بهؤلاء السجناء ومعلومات عن كل منهم، ولكن هذه القائمة لم يتم تأكيدها من أى مصادر أخرى موثقة، كما أن ناشرها لم يوقع باسمه، ولذا لا يمكن الإطمئنان تماما للمعلومات الواردة فيها وما إذا كان هؤلاء المعتقلين بسبب أنشطة تتعلق بالإنترنت أم أنشطة غيرها


نقلا عن موقع المبادرة العربية لإنترنت حـــــر

Inga kommentarer: