söndag 20 april 2008

tisdag 18 mars 2008

انتهاك حقوق التعليم في بعض مناطق ليبيا


مستوى التعليم في بعض مناطق ليبيا بلد الامكانيات الضخمة

انقر هنـــــــا


بيان صحفي
مواصلة لجهودها في التحضير لدورة الانعقاد الثاني، عقدت هيئة المتابعة بالمؤتمر الوطني للمعارضة الليبية اجتماعا يوم الأحد 16 مارس 2008 م حيث تم مناقشة واستعراض جملة من القضايا وخصوصا تلك المتعلقة بالاوراق التي ستقدم للمؤتمر وغيرها من الوثائق والتقارير التي سيتناولها المؤتمر في دور الانعقاد الثاني. واستعرضت الهيئة مشروع التقرير السياسي والذي تم اعادة التأكيد فيه على قرارات وتوصيات المؤتمر الاول الذى انعقد في صيف 2005 في العاصمة البريطانية ، كما تم فيه اعادة التأكيد على المطالبة بالعودة الى الشرعية الدستورية والتي تتمثل في دستور عام 1951 بتعديلاته اللاحقة كما تضمن التقرير خطوات العودة الى الشرعية المذكورة بإعمال الخطوات التالية المنصوص عليها في الإعلان: 1. تنحي العقيد معمر القذافي عن كافة سلطاته وصلاحياته الثورية والسياسية والعسكرية والأمنية ورفض اسلوب التوريث.2. تشكيل حكومة انتقالية، في داخل البلاد، من عناصر مشهود لها بالوطنية والنزاهة لإدارة البلاد لمدة لاتزيد عن سنة واحدة ، تكون مهمتها الأساس العودة بالبلاد الى الحياة الدستورية ، عن طريق الدعوة الى الى انتخاب جمعية وطنية تأسيسية تقوم بمراجعة الدستور تحت اشراف الأمم المتحدة وإحداث التعديلات المناسبة حياله ، وعرضه على الشعب الليبي في استفتاء عام.3. إقامة دولة دستورية ديمقراطية مؤسسة على التعددية السياسية والثقافية والتداول السلمي للسلطة، تكفل الحريات الأساسية وحقوق الإنسان، وترسي قواعد العدل والمساواة وتكافؤ الفرص لكافة ابناء الوطن بدون اي تمييز، وتصون الثروات الوطنية وتنميها، وتقيم علاقات خارجية متوازنة مؤسسة على الاحترام المتبادل. كما قامت الهيئة باستعراض ودراسة المقترحات المتعددة حول هيكلية المؤتمر والتي كان الهدف منها ومازال هو تطوير المؤتمر وآلياته بشكل جاد وبما يمكن المؤتمر القادم من تفعيل برامجه وتحقيق أهدافه. من جهة أخرى، تناولت الهيئة المسا ئل الإدارية والإجرائية والمالية المتعلقة بالتحضير للمؤتمر وتابعت اخر التطورات حولها. كما اكدت الهيئة ،انطلاقا من قرارات المؤتمر الأول، على الحفاظ على استقلالية القرار الوطني في سعيها لتمويل المؤتمر وحشد الإمكانات المادية له. وتغتنم الهيئة الفرصة لكي تحي وتشيد بصور العطاء والبذل الكبيرة في معناها والمقدمة من ابناء وبنات ليبيا وتهيب في الوقت نفسه بأحرار ليبيا بتقديم المزيد من النصرة والدعم للمؤتمر وصولا الى اهداف نضالنا الوطني المنشود ولما فيه خير وصلاح ليبيا وشعبها الأبي. عاشت ليبيا والمجد والخلود لشهداء ليبياهيئة
المتابعة8 ربيع الاول 1429 هـ الموافق 16 مارس 2008 م
المصدر
موقع المؤتمر الوطني للمعارضة الليبيـــــــــــة


måndag 10 mars 2008

كيف تمنع الترحيل القســــــري ؟

كيف تمنع عملية الترحيل القسري؟
2/10/2005إلى كل مواطن ليبي : شهدت الآونة الأخيرة، حالات من الترحيل القسري لمواطنين ليبيين (البعض منهم من طالبي اللجوء السياسي) قامت به بلدان عدة عربية و أوروبية و في معظم القضايا اعتمدت وخاصة أخيرا على التقرير الذي قدمته اللجنة السويدية التي زارت ليبيا في مايو 2002 وكذلك تحرك ونشاط بعض المكاتب الشعبية - السفارات الليبية- و التعاون الذي طرأ أخيرا في أسلوب التعامل مع هذه الدول مثل النرويج - السويد - سويسرا.و في الوقت الذي تزايد فيه عدد طالبي اللجوء من الشباب الليبي الهارب من الوضع الإقتصادي المتأزم و ضعف فرص العمل يبقى هناك عدد من طالبي اللجوء السياسي من أصحاب القضايا السياسية ؛ والذين يُخشى تعرضهم للسجن و التعذيب عند ترحيلهم قسراً إلى ليبيا. الترحيل القسري حًرَّمَتْهُ الشِرْعَةُ الدولية لحقوق الإنسان؛ حيث نص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر في الأول من ديسمبر عام 1966 في جزئه الثالث المادة 13 على التالي (لا يجوز إبعاد الأجنبي المقيم بصفة قانونية في إقليم دولة طرف في هذا العهد إلا تنفيذاً لقرار اتخذ وفقاً للقانونو بعد تمكينه ما لم تحتم دواعي الأمن القومي خلاف ذلك من عرض الأسباب المؤيدة لعدم إبعاده، ومن عرض قضيته على السلطة المختصة أو على من تعينه أو تعينهم خصيصاً لذلك، و من توكيل من يمثله أمامها أو أمامهم).و منعته الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين الصادرة في الثامن و العشرين من يوليو عام 1951؛ و في فصلها الثالث المادة 33 (لا يجوز لأي دولة متعاقدة أن تطرد لاجئاً أو ترده بأية صورة من الصور إلى حدود الأقاليم التي تكون حياته أو حريته مهددتين فيها بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو بسبب آرائه السياسية).و نصت على عدم إجازاته اتفاقية مناهضة التعذيب و غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة الصادرة في العاشر من ديسمبر عام 1984، في جزئها الأول المادة 03 (لا يجوز لأية دولة طرف أن تطرد أي شخص أو أن تعيده "أو ترده" أو أن تسلمه إلى دولة أخرى إذا توافرت لديها أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب).إلا إننا نستطيع القول بأنه أضحى ظاهرة منذ عام 2000 و إضافة جديدة لانتهاكات حقوق الإنسان التي يتعرض لها المواطن الليبي. و من هنا تدعوا التضامن الجميع للتعاون في إيقاف عمليات الترحيل القسري للاجئيين الليبيين ؛ و تهيب بالجميع مد يد العون لمن يقع في مثل هذا الموقف..و التضامن تضع تجربتها المتواضعة بين يدي المهتمين بهذه القضايا للإستفادة منها و كذلك للتواصل و تبادل المعلومات في هذا الشأن. إرشادات:عندما تتوفر لديك معلومات أن هناك لاجئاً معرضاً لخطر الترحيل ؛ يجب المبادرة الفورية باتخاذ الخطوات التالية :1. تجميع معلومات كافية عن اللاجئ ؛ هذه المعلومات تشمل:" الاسم و تاريخ الميلاد و المهنة و الوضع الاجتماعي،" تاريخ مغادرة أرض الوطن و تاريخ الدخول إلى البلد الحالي." تاريخ تقديم طلب اللجوء و التطورات في القضية." الوضع الراهن بالتحديد (مكان تواجد اللاجئ و هل هو في الحجز أم لا ؟ هل صدر ضده قرار ترحيل ؟ هل حدد تاريخ معين للترحيل؟ الوسيلة و المكان؟)." أية معلومات أخرى ممكن أن تفيد.ليس بالضروري أن تكون ملماً بطبيعة طلب اللجوء و تفاصيل الملف، فهذا من اختصاص المحامي أو من قام اللاجئ بتوكيله قانونياً.2. الاتصال بالمحامي ؛ و إذا لم يكن لديه محامي فيجب توكيل محامي على وجه السرعة . إن كان هناك صعوبة في توفير أتعاب محامي فبالإمكان تقديم طلب للجهات المعنية (السلطات الرسمية في البلد المتواجد به اللاجئ) لتوفير محامي. 3. الاتصال بالفرع المحلي لمنظمة العفو الدولية (في البلد المتواجد فيه اللاجئ) و مطالبتهم بالتدخل لمنع الترحيل.4. الاتصال بالأمانة العامة لمنظمة العفو الدولية (المعلومات أدناه) ومطالبتهم بالتدخل.5. الاتصال بالمفوضية العليا لشئون اللاجئين( UNHCR) وذلك بالاتصال بمندوبها في بعثة الأمم المتحدة في البلد المتواجد فيه اللاجئ (أو الاتصال بالمقر الرئيسي كما موضح أدناه للحصول على رقم البعثة في البلد المتواجد فيه اللاجئ) و مطالبتهم بالتدخل لمنع الترحيل و توفير ضابط حماية (Protection Officer).من حق اللاجئ تقديم طلب لجوء لدى المفوضية ( (IIمن واجب المفوضية دراسة الطلب و التحقق من صحة الطلب و في حالة الرد الإيجابي تمنح المفوضية اللاجئ صفة لاجئ معترف به ((Recognized Refugee و يتحصل على إقامة قانونية (III) بطلب من المفوضية حتى تتحصل المفوضية على قبول لطلب اللجوء في بلد ثالث.6. الاتصال بالمقرر الخاص( (The Special Rapporteur on Torture التابع لمكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة (كما موضح أعلاه) و تقديم طلب للتدخل في منع عملية الترحيل IV.7. الاتصال بلجنة مناهضة التعذيب Committee Against Torture" (CAT)" التابعة للأمم المتحدة، باستخدام النموذج المشار إليه، تشترط اللجنة أن يقوم الشخص المعني بإرسال النموذج بنفسه (اللاجئ) أو من يملك توكيل قانوني (المحامي) و لذا فمن المهم جداً مراسلة اللجنة للتأكد من أن المحامي قد قام فعلاً بالمهمة. هذه اللجنة تملك حق التدخل (بشرط أن تكون الدولة المتواجد بها اللاجئ قد صادقت على "اتفاقية مناهضة التعذيب و غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة الصادرة في العاشر من ديسمبر عام 1984") (V) و منع الترحيل حتى يتم التحقق من عدم وجود أي تهديد لسلامة و حرية اللاجئ إذا ما نفذت عملية الترحيل.8. الاتصال بالمنظمة الدولية لمناهضة التعذيب (كما هو مبين أدناه) و مطالبتهم بالتدخل لحماية اللاجئ . منظمة فاعلة و خاصة في أوروبا. 9. لا يجب الاقتصار على المنظمات فقط ، بل العمل على الاتصال بكل المنظمات المحلية التي تُعني بحقوق الإنسان و مساعدة اللاجئينو كذلك الشخصيات السياسية و الصحفية المعروف عنها نشاطها و اهتمامها بقضايا حقوق الإنسان و مساعدة اللاجئين ، كثير من حالات الترحيل تم تحقيق نتائج إيجابية بصددها الحصول على اللجوء من خلال تدخل بعض الشخصيات النشطة(VI)10. بإمكانكم الاتصال بالتضامن (وكذلك المنظمات الحقوقية الأخرى ذات الاهتمام المشترك) و إحاطتها بالتفاصيل من أجل المشاركة في حمل أعباء القضية، فكم من قضية كان التعاون بين المنظمات الحقوقية الليبية و غيرها من المنظمات عاملاً رئيساً في تحقيق النجاح.11. عدم اليأس و الاستمرار في بذل كل الجهد و البحث عن الفرص الممكنة و المتابعة المستمرة مع كل الجهات التي تم الاتصال بها من أجل تحقيق الهدف المنشود و هو انقاذ نفس بشرية من شر محدق.12. التعامل مع المنظمات و المؤسسات و الشخصيات بأسلوب حضاري ؛ و الابتعاد عن أي تصرف غير متزن قد يترتب عليه الإضرار بمصلحة اللاجئ. كذلك المتابعة مع المنظمات و إحاطتها بأي تطورات في القضية و كذلك توجيه الشكر لكل من يساهم في تقديم المساعدة و تقدير الجهود. قضايانا كثيرة و نحن بحاجة لكسب ثقة و تقدير و جهود كل من يمكن أن نكسب لمواجهة قضايا مستقبلية. هوامش:
ننصح بعدم الانتظار حتى تتأزم الأمور (تصل إلى نقطة صدور قرار ترحيل و بدء السلطات في إجراءات الترحيل) بل يجب التحرك مبكراً.
ننصح بالاتصال بالمفوضية العليا لشئون اللاجئين و تقديم طلب لجوء في مرحلة مبكرة من القضية.
صفة لاجئ معترف به من الأمم المتحدة لا تحمي اللاجئ في بعض البلدان التي لا ترعى العهود و المواثيق الدولية المصادقة عليها، فقد تم ترحيل عدد من اللاجئين (معترف بهم من طرف المنظمة الدولية) من بعض الدول العربية و الإسلامية و تسليمهم إلى سلطات النظام الليبي.
النموذج سيكون متوفراً على موقع التضامن الجديد و الذي سيدشن في الأسابيع القادمة رابط النموذج
http://www.ohchr.org/ english/issues/torture/rapporteur/model.htm
يجدر الإشارة إلى أن المقرر الخاص لديه صلاحيات متابعة قضايا التعذيب مع سلطات البلد المعنى. التضامن ستنشر قريباً دراسة قيمة عن الآليات الموضوعية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.
أهمية الاتصال بلجنة مناهضة التعذيب تأتى من حقها في الاعتراض على عملية الترحيل و تعطيلها حتى يتم دراسة القضية و الوصول إلى خلاصة قطعية عن مدى إمكانية تعرض اللاجئ (في حال ترحيله) للخطر من عدمه.
التضامن شرعت في بناء قاعدة بيانات موسعة تحتوي على أسماء و عناوين منظمات و مؤسسات و شخصيات تعني بقضايا اللاجئين و ستقوم بنشرها قريباً على موقعها الجديد الذي سيتم تدشينه خلال الأسابيع القادمة من أجل تيسير عملية الحصول على المعلومة المطلوبة و من ثم كسب الوقت. لهذا تدعوكم التضامن إلى إرسال أسماء أي منظمات أو مؤسسات محلية أو أسماء شخصيات بارزة تهتم بقضايا حقوق الإنسان، لكي يتم إدراجها ضمن قاعدة البيانات و تعميم الفائدة.
تحذير هام جداً : في حال تم رفض طلب اللجوء للمرة الأُولى ؛ على المعنِي أن يقوم مُباشرة بالاتصال بالعناوين آنفة الذِكر ، وذلك لتوفر إمكانات التدخل المباشر لدى السلطات المعنية. و من خلال خبرتنا الواقعية مع حالات أهمل أصحابها في أخذ إجراءات سريعة للحيلولة دون ترحيلهم..اعترفت المؤسسات الدولية أن تدخلها لدى السلطات المعنية بعد الرفض الثاني تصبح غير معتبرة و ذلك لاستنفاذ كافة الإجراءات القانونية لصالح اللاجئ السياسي . توجد عدة منظمات دولية و منظمات غير حكومية من صلاحيتها و واجبها التدخل لمنع عمليات الترحيل القسري لأي إنسان إلى بلد لا يأمن فيه على نفسه و حريته .هناك أربعة (4) من هذه المنظمات كان تدخلها في حالات سابقة فاعلاً وإيجابيا، أنقذ حياة الكثير من اللاجئين من خطر محدق، هذه المنظمات هي:
1
المفوضية العليا لشئون اللاجئين
United Nations High Commissioner for RefugeesUNHCR, C.P. 2500, 1211 Geneva 2, Switzerland.Tel: +41.22.739.81.11 Fax: +41.22.739.73.35
http://www.unhcr.ch
2
مكتب المفوضة السامي لحقوق الإنسان
لجنة مناهضة التعذيب
Committee against Torture (CAT)c/o Office of the High Commissioner for Human Rights1211 Geneva 10, Switzerland(particularly for urgent matters)Fax: +41.22.917.90.22
http://www.unhchr.ch/html/menu2/6/cat.htm
المقرر الخاص المعني بمسألة التعذيب
Special Rapporteur on Torturec/o Office of the High Commissioner for Human RightsUnited Nations Office at GenevaCH-1211 Geneva 10, SwitzerlandE-mail:
urgent-action@ohchr.org
الفريق المعني بمسألة التعذيب
Working Group on Torture and DetentionTel: +41.22.917.91.74 Fax: +41.22.917.90.06
http://www.unhchr.ch
3
منظمة العفو الدولية
Amnesty International, International SecretariatEaston Street 1, London WC1X 8DJ, UKTel: +44.207.413.5500 Fax: +44.207.956.11.57Middle East and North Africa Program
http://www.amnesty.org
4
المنظمة الدولية ضد التعذيب
Organisation Mondiale Contra la TortureP.O. Box : 21, 8 rue Vieux-Billard, 1211 Geneva 8,
SwitzerlandTel: +41.22.809.49.39 Fax: +41.22.809.49.29omct@omct.org
المصدر
التضامن لحقوق الإنسان

söndag 9 mars 2008

مصطلحات سياسية..أستــلاب سياســــــــــــي


مصطلحات سياسية: استلاب سياسي
ستلاب سياسي: political Alienation
شبكة النبأ: على الرغم من فلسفة هيغل الغامضة أو لعله بفضل منها، حظي هذا المفهوم بمكانة خاصة في الجدل الفكري منذ بداية القرن التاسع عشر حتى النصف الثاني من القرن العشرين في فكر هيغل، يبدو الاستلاب نوعاً من (الانشطار) Scission بين الوجود الحسي للإنسان وما يتمثل نفسه مثالاً أعلى انطلاقاً من وعيه الذي ينيره العقل Raison. بعبارة أخرى، الاستلاب هو فقدان الإنسان وجوده الجوهري.
إن ماركس الشاب، إذ يتبنى هذا المفهوم موظفاً إياه في خدمة منهجه، لسوف يتمسك به لكي يبعث منه القدرات الكامنة فيما يمضي به إلى نقد الاستلابات الدينية والسياسية والاقتصادية، على التعاقب. في "المسألة اليهودية" (1844)، يضع ماركس حال المواطن "العضو الوهمي في دولة وهمية"، في مواجهة مع الواقع الحسي للعمال، الذي أقامتهم فيه علاقات الطبقات التي تضطهدهم. خلافاً لهيغل، رأى ماركس الاستلاب لا باعتباره نقصاً من جوهر، بل تشويهاً للقدرات الكامنة لدى الإنسان الحسي، المحروم، في المجتمع الرأسمالي، من السيطرة الحقيقية على ما ينبغي أن يحقق به نفسه؛ أعني عمله المنتج، وإذا كان الاستلاب، في نظر ماركس الشاب، يجد أصله في العلاقات الاقتصادية، فإن القضاء على هذا الاستلاب يجب أن يكوّن الهدف السياسي الحقيقي لدى الثوريين)
لقد أثار مفهوم الاستلاب خلافات حادة في قلب التقليد الماركسي نفسه. وإذا عدنا إلى أعمال ماركس التي كتبها في سنّي "النضج" نجده كاد يتخلى بالمرة عن هذه الإشكالية، وهذا الاصطلاح، لكي يستبدل به اصطلاح الاستغلال. في هذا الاصطلاح نرى المزايا والاستعمالات السياسية، فالاستلاب مفهوم فلسفي يكتنفه الغموض، على حين أن الاستغلال يمكن تحديده علمياً على ما يرى صاحب "رأس المال"؛ خصوصاً وأنه قد يكون أقدر على تحريك الجماهير سياسياً من حيث أنه يتيح فصل معسكرين فصلاً بيّناً: المستغِلّين الذين ينهبون فضل القيمة (القيمة الزائدة) plus-vakue، والمستغَلَين (بفتح الغين) الذين ليس لديهم ما يبيعونه سوى قوة عملهم.
منذ ذلك الحين، أصبحنا ندرك لماذا بقي الفلاسفة الماركسيون، الذين ظلوا متمسكين بإشكالية الاستلاب (من جيورجي لو كاش، مؤلف "التاريخ والوعي الطبقي" 1923 إلى هنري لوفيفر مروراً بالبولندي آدم شاف)، لماذا ظل هؤلاء في عزلة نسبية وهم في قلب الحركة الشيوعية الأممية. على عكس هؤلاء، لم يشأ التقليد اللينيني الأرثوذوكسي أن يفكر بصيغة أخرى غير صيغة استغلال الإنسان للإنسان. بينما اضطر "التوسر" إلى نزع صفة الجدارة عن نصوص ماركس الشاب باقتراح نظريته الشهيرة القائلة بـ"القطيعة المعرفية". فقد ظلت أعمال الشباب، المتمحورة حول ثالوث الجوهر الإنساني /الاستلاب/ العمل المستلب، ظلت جميعها مشوبة بالمثالية البورجوازية، بينما تشكل الأعمال المتأخرة انفصاماً ثورياً حقيقياً باعتمادها نظاماً جديداً من الأسئلة قائماً على ثالوث أساليب الإنتاج / علاقات الإنتاج / القوى المنتجة)
لقي مفهوم الاستلاب حظوة فائقة لكن وقتية في عقد الستينيات، ويفسر ذلك عاملان متضامّان. فمن جهة، كانت الماركسية الرسمية التي اعتمدتها الأحزاب الشيوعية الغربية منصرفة إلى البحث عن مفاهيم عالمية تعمل لصالح أحلاف سياسية جديدة. هكذا اندفعت إلى الأمام موضوعه "الإنسانية المتكاملة" التي سوف يكون الحامل لها "بالتجاوز" المشروع الشيوعي، وارث الإنسانيات المسيحية والعلمانية. ومن جهة أخرى، تطورت تحت تأثير الفرويدية نظرةٌ جديدة إلى الاستلاب تجعل من الإنسان كائناً غريباً عن نفسه بحكم تكوينه وبسبب من عدم قدرته على بلوغ خافيته ( = عقله الباطن)، استهوت هذه الموضوعة هربرت ماركوز فاستولى عليها مولياً إياها أهمية سياسية قاطعة. يرى ماركوز أن الإنسان "ذا البعد الواحد" مستلب مرتين بوصفه منتجاً ومستهلكاً، في مجتمع سِلَعيّ، يحرّضه على عبادة الأشياء Fetichisme، وبسبب من غواياته، يمنعه من التفكير في أمر رفض العقلية السائدة، وسوف يضيف إلى ذلك "غي ديبورد" ومن بعده "راؤل فنايجم" نقداً لاذعاً لـ"مجتمع المشهد أو العرض Societe du spectacle" الذي لا ينفك يعرض عليه تلبيات وهمية لرغباته.
الاستلاب، وهو الإشكالية التي تجنح إلى مقاومة الخضوع للاقتصاد وللاستبداد، قد عانى أشد المعاناة من تراجع النظرات المثالية في النضال السياسي اعتباراً من منتصف عقد السبعينيات. أما اليوم فيبدو أنه لم يعد يهتم به سوى المؤرخ.
معجم علم السياسة والمؤسسات السياسية
بيار بيرنبوم
الاستلاب
Alienation
لكلمة (Alienatio) اللاتينية تفسير قانوني (إنتقال أو بيع مال أو حق)، وتفسير بسيكولوجي (= الضعف الفكري العام)، وتفسير (علم الاجتماع) (- انحلال الرابطة بين الفرد والآخرين) وتفسير ديني (= انحلال الرابطة بين الفرد والآلهة). وفي اللغة الألمانية ترتدي الكلمة (Enttiemdung) (تعني حرفياً، جعله غريباً عن) معاني متعددة، ولكنها موازية إلى حد كبير لمعاني (alicatio) اللاتينية.
لكن التاريخ الحديث لمفه وم الاستلاب يبدأ دون شك مع روسو: (من المؤكد أن هذه البنود "أي بنود العقد الاجتماعي" تختزل كلها في واحدة، وهي الارتهان الكامل لكل مشترط مع كامل حقوقه للجماعة بكاملها [...] وبما إن الارتهان يتم دون تحفظ، والاتحاد يكون كذلك كاملاً إلى أقصى حد ولا يعود لأي مشترك حق المطالبة بشيء [... ] كل واحد يهب نفسه للجميع ولا يهب نفسه لأي واحد [...] كل واحد منا يضع بتصرف الجميع شخصه وقدرته بكاملها تحت الإدارة العليا للإرادة العامة). (العقد الاجتماعي، VI, I). إن التخلي عن الحرية الطبيعية هو فعل تنازل يمكن القبول به بحرية بمقدار ما يكون متبادلاً، إذ إنه يضمن عندها للفرد فوائد الحرية الفردية. ولكن مشاعر روسو حول نتائج فعل التنازل هذا موزعة: يصف نموذج العقد الاجتماعي بالفعل حالة صافية لا نجدها متحققة في أي مجتمع حقيقي، إذ من الصعب تخيل مؤسسات تضمن تغلب (الإرادة العامة) على الإرادات الخاصة ولا سيما إرادات النافذية والأغنياء. إن فعل التنازل الذي يؤسس العقد الاجتماعي يمكن أن يتحول هكذا إلى سلب واضح تقريباً لنسبة كبيرة إلى حد ما من أعضاء المجتمع. إن قلق روسو يعود للظهور بنبرات مختلفة لدى الرومنطيقيين الألمان ولدى هيجل ولدى فويرباخ ومع ماركس استعملت فكرة التنازل بشكل رئيسي لوصف اللا أنسنة التي تنجم عن تطور الرأسمالية، ففي كتاب مخطوطات 1843 – 1844، استعمل مفهوم الاستلاب كثيراً جداً: المجتمع الرأسمالي يسلب العامل نتاج عمله، وهو يضعه في حالة تنافس مع هؤلاء الذين لهم معهم مصالح مشتركة، وبالتالي يسلبه من أقرانه، وفي حين يلمس المزارع مباشرة معنى عمله (الحصول من الطبيعة على وسائل غذائه) يحرم العامل الصناعي من معنى عمله؛ وأخيراً ينزع تقسيم العمل عن العامل إنسانيته نفسها. إن العمل المستلب (يسلب الإنسان جسده بالذات، وكذلك الطبيعة الخارجية، وحياته العقلية وحياته الإنسانية) وفيما بعد، ولاسيما في كتاب رأس المال، استعمل مفهوم الاستلاب بشكل نادر وكأنه يتم تحاشيه. ولكن مواضيع كتابات فترة الشباب تظهر باستمرار: تطلق الرأسمالية عمليات تراكمية تنجو من رقابة الأفراد، تحرر قوى اجتماعية تكون عاجزة عن السيطرة عليها وتحرم الأكثرية فيها من نتاج عملهم ومعناه، (إن عملية إعادة الإنتاج الرأسمالية تعيد إذن من نفسها إنتاج الفصل بين العامل وشروط العمل. إنها تعيد إعادة الإنتاج وبذلك تديم الشروط التي ترغم العامل على أن يبيع نفسه ليعيش وتضع الرأسمالي في حالة القدرة على شرائه لكي يغتني) (رأس المال، XXIII,I) ... (إن السمة الذاتية والاستلابية التي يطبع بها الإنتاج الرأسمالي بصورة عامة، شروط ونتاج العمل إزاء العامل، تتطور إذن مع الآلة حتى العداء الأكثر وضوحاً. لذلك تكون الأولى التي تعطي مجالاً لتمرد العامل العنيف ضد وسيلة العمل) (رأس المال، XV, I) و(بالإجمال، ادى دخول الآلة إلى تزايد تقسيم العمل داخل المجتمع، وإلى تبسيط مهمة العامل داخل الورشة، وإلى تجمع رأس المال وإلى زيادة تفسخ الإنسان) (بؤس الفلسفة، 2, II).
سيستعيد العديد من المؤلفين فيما بعد، هذه المواضيع الماركسية، بالنسبة لفروم، يستلب المجتمع الرأسمالي الفرد بمقدار ما يجعل تحقيق الحاجات الأساسية صعباً، مثل الحاجة للنشاط الإبداعي وإقامة العلاقات الاجتماعية مع الآخرين والحاجة إلى تجذر ثابت، والحاجة لتملك هوية خاصة، والحاجة للتوجيه (الحاجة لتملك إطار مرجعي، والحاجة للفهم). وقد استعيدت هذه النظرة بأشكال متنوعة من قبل ماركيوز، ورايت ميلز وهابرماس. ويتم التشديد، حسب كل مؤلف على أواليات التكييف والقمع الدقيقة التي قد تتميز بها المجتمعات الصناعية (ماركيوز)، وعلى كون البنى الاجتماعية تحرم الفرد من إمكانية تحقيق رغباته الخاصة وترغمه على تحقيق رغبات الآخر (هابرماس)، وعلى الشعور بالعبثية الذي ينجم عن تعقد النظم الاجتماعية التي لا يتوصل الفرد إلى فهم كيفية عملها (مانهايم) ويمكن أن تطول اللائحة دون صعوبة.
إن فكرة الاستلاب مدعمة بالتأكيد، بمسلمات ذات صفة طوباوية. وبتعابير أخرى، لا يمكن أن تظهر إلا اعتباراً من الوقت الذي نشرع فيه بمقارنة المجتمعات القائمة، سواء تعلق الأمر بمجتمعات رأسمالية أو بمجتمعات صناعية، بمجتمع طوباوي حيث يكون بمقدور الإنسان إرضاء حاجاته الأساسية، وحيث تكون طبيعة النظام الاجتماعي مقبولة بحرية من قبل الجميع، وحيث تكون المؤسسات الاجتماعية معقولة وشفافة ومقبولة وحيث تكون الحدود الوحيدة التي قد تعرفها حرية الفرد هي تلك التي يمكنه القبول بها بحرية ... إن المسافة بين هذا النموذج الديمقراطي والمجتمعات الواقعية تشكل حسب ورايت ميلز، قياساً لمدى إتساع الاستلاب. لقد كان لروسو الأفضلية، بالنسبة لكثيرين من خلفائه، كونه برهن بأنه من المستحيل عملياً أن يخضع مجتمع واقعي لمثل هذا النموذج، على الرغم من أنه شكل في الوقت نفسه أوتوبيا مرجعية لا مفر منها . وبمفارقة واضحة يلتزم ماركس وماركيوز وميلز وهابرماس أنفسهم بتفسير (واقعي) لأوتوبيا روسو اعتباراً من الوقت الذي يجعلون فيه من الاستلاب خاصية مميزة لشكل معين من التنظيم الاجتماعي، أي المجتمعات الرأسمالية أو، حسب المؤلفين، المجتمعات الصناعية (إذ يعتبر الماركسيون الأرثوذكس أن المجتمعات الصناعية من النمط الاشتراكي تنجو من الاستلاب). وبالفعل نستنتج من هذه المسلمة بسهولة النتيجة الطبيعية وهي أن بتغيير شكل المجتمع، يمكننا أن نأمل بتحقيق الأوتوبيا.
كيف يفسر نجاح فكرة الاستلاب – هذه الفكرة التي أصبحت اليوم شائعة الاستعمال؟ يكمن السبب الأول لهذه الشعبية في كونها يمكن استخدامها بسهولة لتغطية ظاهرات يمكن لكل واحد أن يلاحظها (تجزئة العمل، شعور الفرد بالعجز أمام تعقد الأنظمة الاجتماعية، الخ). كما قال باريتو على الرغم من أن نظريات الاستلاب تتجاوز التجربة، فهي تقوم في الوقت نفسه على ملاحظات يمكن لكل واحد أن يقوم بها، ويكمن السبب الثاني دون شك، في كونها تغطي على الأقل إذا لم يكن تفسر، ظاهرات متنوعة جداً تبدأ من الاضطرابات النفسية – الجسدية المتولدة عن (الحياة الحديثة) وصولاً إلى الانفجارات الاجتماعية العنيفة ، أو التفسير المطروح من قبل ماركيوز لأزمات سنوات الستينات). ويمكنها بالمقابل، أن تفسر كذلك استسلام المظلومين. وثمة سبب ثالث ربما كان يكمن في كون فكرة الاستلاب تعثر على الوهم اليهودي – المسيحي الخاص بسقوط الإنسان عبر إعطائه مضموناً علمانياً، متكيفاً مع المجتمعات الحديثة. وبفضل مفهوم الاستلاب، يمكن ملاحظة السقوط، إذا تجرأنا على القول، في زاوية الطريق وفي الحياة اليومية (لوفيفر – Lerebie).
لقد تلقت فكرة الاستلاب، باعتبارها نوعاً من السديم التصوري، تفسيرات متعددة صعبة التصنيف لاسيما وأن أفكاراً تكميلية تدور حول السديم، مثل فكرة إضفاء الموضوعية (Objectivauon) لدى هيجل أو فكرة التشيؤ (Reification) لدى ماركس والماركسيين. تكون بعض هذه الصيغ مستعملة من قبل عالم الاجتماع في حين أن الأخرى تؤدي إلى إحراجات منطقية تجعلها قليلة النفع. وربما لأن ماركس كان واعياً لهذه الصعوبات، فقد تخلى بصورة كاملة تقريباً عن لفظة الاستلاب في مؤلفات مرحلة النضوج. لا شيء يحول بالفعل دون استعمال هذه اللفظة لوصف الشعور بالعجز السياسي الذي يمكن أن يتملك المواطن، والضيق من نظام العمل المتسلسل، وحالة الأجير الذي عليه أن يبيع قوة عمله، أو الوضع الشاق للعامل عام 1848، إن مفهوم الاستلاب إذا فهم بهذا المعنى الضيق، يكون مفيداً وقد أفسح المجال لأبحاث تجريبية، في المقابل، لا نرى كيف يستطيع عالم اجتماع ذو طموح إدراكي أن يستعمل نظريات، مع تجاوزها لكتابات فترة الشباب لدى ماركس كما لكتابات ماركيوز وبعض علماء الاجتماع، تزعم أن المجتمعات الصناعية تستلب إلى حد كبير جداً الإنسان الذي لا يعود قادراً على وعي شقائه. ذلك أنه يقتضي التساؤل عندها، بأية أعجوبة يجد عالم الاجتماع نفسه، هو الوحيد بين معاصريه، القادر على انتزاع نفسه من جدار الكهف ليتأمل الحقيقة ويعلنها، إن فكرة الاستلاب لا تتميز ضمن حدود معينة، عن إحدى صيغها الشهيرة: وهي فكرة (الوعي الخاطئ) وبدائلها الوظيفية (أي جميع الأفكار التي تفترض – أحياناً بشكل صريح ولكن في الأغلب بشكل ضمني – أن الملاحظ يحاكم مشاعر الشخص أفضل ما يحاكمها هو نفسه) وإن إقامة التعارض بين الرائي وجمهور العميان، تجعل هذه الفكرة حبلى بكل ما هو كلياني، تعتقد أنك سعيد. ليس ذلك سوى نتاج وعيك الخاطئ، لديك انطباع بأنك حر. وهذه إشارة لا تخطئ أبداً كونك مستلب. أنت لا ترى ابداً القيود التي تخنقك. ذلك إثبات على دقتها وفعاليتها، لقد أحسن بليز القول: (لقد عرفوا كيف يحترموني حتى هذا اليوم/ وأنهم لم يقولوا لي أبداً كلمة عن حبهم؛ / ولكن لكي يقدموا لي قلبهم ويكرسوا خدمتهم/ والوساطات الصامتة قامت جميعها بوظيفتها) ومع فكرةالوعي الخاطئ يعقد اللسان. تشتق فكرة الاستلاب (ورايت ميلز) من الرغبة بلقاء الديمقراطية (الحقيقية) وهي تصب إلى حد ما في تبرير الكليانية.
وكما ذكر العديد من المؤلفين، يشكل الاستلاب نوعاً من الطباق (للارتباك)، فالفكرتان هما على حد قول باريتو، اشتقاقان ناتجان من المترسب نفسه، شعور الفرد بأن إيجاد معنى لوجوده أشق عليه في المجتمعات الصناعية منه في مجتمعات أخرى، ولكن مفهوم الارتباك بقي محصوراً في إطار علم الاجتماع الأكاديمي. وتعبر فكرة الاستلاب هي كذلك، عن زوال وهم التقدم وخيبة العالم الذي يتحدث عنه فيبر. ولكنها تتمتع بأفضلية كبرى كونها تشير إلى طرق الإنقاذ والخلاص.
متعلقات

الثقافة والعنف (1)
العوامل التي تدفع الى العنف:
ـ العوامل البنيوية
ويكون هذا العامل فاعلا حين يتأسس العنف داخل البنية الاجتماعية والسياسية، فيصبح الوسيلة الوحيدة او المفضلة والناجعة في حل وحسم الصراعات والمشكلات والخلافات، او يمارس نوعاً من الإرغام على التنوع لاخفائه قسرا وعدم الاعتراف به، فيسكن الاختلاف منطقة الظلمة في الحياة الاجتماعية، وما يلبث ان يظهر على السطح في اقرب فرصة، مطالبا بالاعتراف به والمجتمعات التي استطاعت ان تتوصل الى تحقيق مستوى عال من التلاحم والاندماج بين عناصرها المختلفة، وذلك من خلال تسوية التناقضات القائمة بين الجماعات الاجتماعية المختلفة، استطاعت ان تتوصل الى تحقيق مستوى معين من الاستقرار .
اما المجتمعات التي عجزت عن التحكم في الصراعات القائمة فيها فقد غدا العنف فيها وسيلة شائعة في العمل السياسي، ومن ثم فان العنف والحالة هذه ممتزج بالبنية التكوينية ذاتها للمجتمع سواء على المستوى الرسمي او الشعبي. حيث يقول الدكتور محمد جابر الأنصاري (عندما تنتشر ظاهرة العنف في مجتمع ما وتتوسع، فإنها تجلب معها ظاهرة استقطاب وانشطار حيث يسود صراع الأضداد طبقيا وفكريا وحضاريا وتنقسم الأشياء في ثنائية حاسمة محددة واضحة، غير ان ظاهرة العنف وتوأمها ظاهرة الاستقطاب والانشطار تمثلان خطرا كيانيا تجاه أي مجتمع توفيقي او حضارة توفيقية لأنهما تؤديان الى فصم عرى العناصر المؤتلفة المتصالحة بأسلوب الحسم والبتر.
ـ الاستلاب:
الاستلاب السياسي هو الشعور بالغربة إزاء العملية السياسية والحكومة في مجتمعه، وهذا ماكانت تشعر به بعض المكونات العراقية التي مورس ضدها شتى أنواع الإقصاء والتهميش والحرمان من المشاركة السياسية، مما جعل هذه المكونات تميل نحو التفكير بان الحكومة والسياسة تداران من قبل الآخرين ولمصلحة الآخرين، ووفقا لمجموعة من القواعد غير العادلة .
ان التغرب على هذا النحو يعزل الفرد عن باقي المجتمع .( صادق الأسود ،علم الاجتماع السياسي ، ص9)
ان النظام السياسي يتخذ العنف آلية على الدوام حين يفتقد الضوابط المؤسسساتية0(listitution mechanisms ) لانتقال السلطة بشكل اعتيادي متفق عليه من حاكم ومن جماعة او من فئة حاكمة الى فئة حاكمة ، ولذلك يلجأ أطراف النزاع على الدوام الى حله لمصلحتها بالعنف او ماتيسر من وسائل، التآمر، الاغتيال، التمرد، الغزو ، الحرب الأهلية ( خلدون النقيب، الدولة التسلطية ص118).
المثقف والاستلاب السياسي(2)
ان الخروج من الازمة المعاصرة يقتضي وعياً تجديدياً به يقع تجاوز المرحلة النكوصية التي طابقت بين الهوية وتجربة الماضي وبه يكون الدخول الى العصر بفكر معاصر ينظر من خلاله الى الماضي والحاضر والمستقبل في سياق معقلن وموصول
والمعضلة الاساسية اليوم هي تلك الفجوة التي زرعها النظام المباد بين السلطة والمواطن بحيث تحولت فيها السلطة الى”طوطم“ اختزلت قدسانية المقدس الشرعي وافرغت وعي المواطن من محتواه المعرفي ليكون”روبوتا “ تسيره في اتجاهات لا يفهم قصديتها واخرجت المثقف من دائرة حراكه، لكي لا يخترق تلك الاتجاهات ويعيد تشكيل الوعي لدى المواطن فكبلته بمحرمات سلطوية، وخطوط حمراء لا يمكن تجاوزها لتحصل على ديمومتها في الفراغ الثقافي واستثمرت ما تبقى من الابداع الفكري او الادبي او الفني ليصب في وديانها.
النكوص الى الماضي والاحتماء بامجاده وايامه السعيدة اولوية شائعة في حالات الفشل، فالطفل الذي يعاني من آلام الحاضر نتيجة احداث غيرت مكانته وقيمته في نظر نفسه، يعود الى الماضي الطفلي، ايام كان صغيرا يحظى بالحب والحنان والرعاية والرضا، وهو يعود الى ذلك من خلال النكوص السلوكي الى عادات سابقة والشيخ الهرم الذي لم يعد له حاضر ولم يبق له امل في الغد يهرب من واقعه المؤلم في الماضي حيث يستعيد ذكريات الشباب وامجاده والفشل على كل صعيد حياتي بشكل يمس القيمة الذاتية والاعتبار الذاتي يدفع بصاحبه احيانا اذا اوصدت امامه ابواب المستقبل، الى الاحتماء بماضيه، وخصوصا تلك الفترة الاكثر اشراقا منه، وكلهم يجد في تلك العودة تعزية وملاذا وكلهم يبعد عن نفسه تهديد انعدام القيمة بالاحتماء بالقيمة التي كان يتمتع بها ماضيا.
وكلهم يستبدل الصورة البائسة من الوجود الراهن، باكثر الصور مجدا واشراقا من الماضي.
ويشكل التمسك بالتقاليد اولوية دفاعية بالقدر الذي يتيح تصريف العدوانية المتراكمة نتيجة للقهر المفروض على الانسان المستلب، الأوجه الدفاعية للتمسك بالتقاليد والطائفية عديدة ومتنوعة ابرزها التحصن بتلك التقاليد وتلك الطائفية للشعور بالحماية ضد التهديد الخارجي ضد خطر الذوبان والملفت للنظر ان المتسلط يؤكد على الطائفية والاعراف والتقاليد القبلية ليبقى يتمتع بامتيازاته وليجعل المواطن البائس والمستلب ان يقبل بالامر الواقع.
وعقيدة المتطرف تستمد من المخزون التاريخي بمحاكاة الصور الخارجية لرموز الدين وابطاله بعيدا عن قراءة نظام القيم والمثل الذي يصاغ على اساسها بناء الشخصية. حينئذ سيتورط ورثة التاريخ الديني باثقال التضخيم التاريخي فيروعهم ان قمصان التاريخ لم تكن مفصلة على قياس جسومهم الهزيلة وبذلك يقع المتدين غالبا في مأزق التوفيق والمواءمة بين انتصارات الماضي وهزائم الحاضر لا سيما مع افتقاره لضبط المسافة بين الممكن والمستحيل بسبب تجاهله او جهله بالشروط الموضوعية لتحقيق الذات الدينية التي لا يمكن استثناؤها عن السنن التاريخية وقوانين المجتمع.
ومن الاسباب التي تكمن خلف هذه الظواهر التي تعيق التقدم والاستقرار ”الاستلاب السياسي“ فالاستلاب هو اغتراب الناس عن الحياة السياسية يعادل الانعزال والتقوقع والانكفاء وترك السياسة الى الفئة الحاكمة لتفعل ما تشاء وما تريد وليس غريبا ان تسعى الفئة الحاكمة على مر التاريخ الى احتكار السياسة والفعل السياسي ضمن اطارها وفعاليتها، كما انه يصبح بديهيا ان يناضل الناس ايضا باستخلاص حقوقهم بالعمل السياسي والممارسة السياسية، وما توصل بعض المجتمعات الى صيغة المجتمع المدني الا محصلة لهذا النضال فالمجتمع المدني باحزابه المتعددة الالوان، وجمعياته ونقاباته ووسائل اعلامه، يقف في وجه طغيان السلطات ويتوقف زحفها على الحقوق السياسية والاجتماعية كما يوفر للمجتمع ضمن صيغ دستورية الحيوية والتفاعل والتطور نحو الارقى، من اجل الوصول الى المجتمع المدني الديمقراطي ولابد من مكابدة عسيرة وشاقة وعبر الولادات العسيرة والاجهاضات المتكررة وقد لا تتوصل نهائيا عبر مدى منظور لمرحلة تاريخية معينة، فالاستلاب السياسي ظاهرة مزمنة وخطيرة لعل ابرز تجلياتها حين تدمر مصالح الشعب او ينتشر الفساد في جهاز دولة ما، بشكل مريع بينما المواطن العادي وصل الى درجة من السلبية واليِأس والعجز، ان الاستبداد يؤدي الى تغييب العقل والعقلانية في الممارسة السياسية والاجتماعية، ويظهر البديل عنه ردود الفعل العفوية والانفعالية والارتكاسات الشعورية واللاشعورية وسيطرة الخرافة وبالتالي الجهل، حيث تزداد الممنوعات في ظل الاستبداد ولا سيما ما يخص المناطق الحساسة التي تمسك باعناق المواطنين تزداد بالتالي المساحة المسكوت عنها، يسود الصمت.
نستنتج مما تقدم ان كل تلك العوامل تشكل ضغوطا على الفرد العراقي، وصدمة نفسية تجعله واقعا تحت تأثير النزعة القبلية والطائفية ويخضع لانزياحات لا شعورية تشكل سلوكه وفق مقتضيات الحاجة ومتطلبات الغريزة.
فأين دور الثقافة والمثقف في اخراج ذهنية الشخصية العراقية من التحيز الطائفي والقبلي الى هوية المواطنة والانفتاح على الاخر، واحترام التنوع واعتماد الحوار في الحراك الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي؟.
يؤكد افلاطون ان المثقف هو ذلك الذي تفرغ بالكلية للتأمل المجرد والتفكير في العلل والمبادئ الاولى، وبلغة اخرى ذلك الذي يتفلسف طلبا للتشبه بالالهة طلبا لمعرفة الحقيقة في حد ذاتها ولذاتها، والمثقف لدى السوفسطائيين الذين سبقوا افلاطون هو الرجل الفصيح المجادل ذو البلاغة العالية الذي يسعى الى اشاعة ما يمكن تسميته الفضيلة السياسية عن طريق”علم البيان، الخطابة، سحر اللغة، البلاغة “ ولكن سقراط يعرف المثقف هو الشخص الذي يمتلك خاصية توليد الافكار وفي تعريف ديكارت للمثقف هو ذلك الانسان الذي يمتلك الحس الاشكالي اي التسلح بالحذر الفلسفي خلافا لما تتسم به العامة من تعجل وانبساط مع المواضيع التي تريد الخوض فيها، اما نيتشه فيصف المثقف بانه ذلك الفرد المتجاوز لذاته، والثقافة النقدية عند كانت تمارس دور الرقابة اي رقابة العقل على العقل حتى لا يسقط في ما يسميه كانت ”بيداء الوهم“ فالفعل الفلسفي حسب كانت يكمن اساسا في تفكيك العقل وهو يعمل اي الوقوف على آليات المعارف. والمثقف يمارس ادواره التأريخية بمواجهة الموقف بتحويل الطاقة اللاشعورية ”اللبيدو“ الى طاقة ابداعية مجسدة في صورة شعرية او لوحة فنية او مشهد مسرحي درامي او قطعة موسيقية رائعة، وهو الذي يحرك في داخل المتلقي الطاقة الانفعالية المخزونة ”المكبوتة“ ويحرر جوانبه بقبول التغيير وينمي لديه خاصية التأمل ويشذب مشاعره واحاسيسه ويجذبه الى التفاعل مع الاخر وقبول شراكته في الحياة.
فالمثقف القاص يمرر المتلقي بمراحل التحول من خلال تقنيات السرد والحبكة والصراع والذروة لامتصاص معطيات الثيمة القصصية وتمثيلها في سلوك حضاري من خلال الاندماج والتوحد مع الاخر، ويكون المتلقي معادلا موضوعيا للشخصية الرئيسية والنموذج القصصي بردمه لثغراتها والتفاعل معها.
اما المثقف الفنان فهو الذي يكشف عن وجه الحياة ويخرج ذهنية المتلقي من زنزانة التعويم والتماهي في سديمية الجهل والتخلف فمن خلال اللوحة والالوان والخطوط التعبيرية يشبع المتلقي فضوله المعرفي ويحرر وجدانه ويرفض اشكال القبح والشر ويكون مستعدا لخوض غمار الجمال. وكذلك المثقف المسرحي الذي يكشف للمتلقي جوانب غامضة في الحياة ويبصره ان الحوار هو الطريق الحقيقي لبلوغ التفاعل والتواصل مع الاخر.
والاعلامي يبرز الحدث ويكشف عن خفاياه وينسج من خلال الصورة التلفازية او من خلال التكنيك الاخباري ابعاد الحقيقة. ومن خلال هذه الادوار الابداعية والثقافية يخلخل المثقف جدار التحيز الفئوي باعادة تشكيل الوعي بهوية المواطنة وفق آليات النهج الديمقراطي الذي طرحه النص الابداعي شعرا وقصة وفكرا وتشكيلا وتجسيد ذلك بالنموذج الثقافي.
رؤية نقدية في المشهد الثقافي السياسي(3)
يلف عالمنا العربي ضبابية ثقافية ، وتلقائية تدور في أزقة الفوضى الفكرية ، والأنسحابات عن الإطار الفكري الذي يؤطر الثقافة العربية وما ينبثق عنها من ثقافة سياسية تتشكل في برامج التنمية والتوعية السياسية في البعد التربوي والإعلامي على وجه التحديد ، فمنظومة المعارف والقيم والرؤى والأفكار والاتجاهات التي تتشكل من أطياف ثقافتنا العربية في لغة النظم السياسية فيما يتعارف عليه بالثقافة السياسية في فردية منسحبة وسلطوية مستبدة وممارسات سياسية عشوائية منسحبة عن أبجديات التأطير السياسي الواعي الذي تشكله منجزات الديمقراطية الحقيقية وحرية التعبير والمشاركة الفاعلة للمواطن العربي في لغة اتخاذ القرار السياسي بوعي وخلق وكفاية ومسؤولية من خلال تفاعل نظريتي التدخل والإرسال في النهج السياسي الواعي لا المتخبط في ظلمات التبعية للغالب في كافة ما يخطر بالبال من أشكال التبعية وما لايخطر ، ونحن في ظل تلك الأزقة بحاجة إلى خلفية فكرية واعية تتشكل من تكاتف النخبة المثقفة المخلصة لتحديد أبعاد القرار السياسي والرأي العام في إطار جدية القرارات واستقلالية النهج واحترام الآخر والتفاعل مع التجربة الإنسانية السياسية ولكن في ضوء الوعي وعدم التذوت حتى الانسلاخ ، ولكن ما يترأى للمتتبع في المشهد السياسي العربي هو لغة التذوت حتى الفناء في الآخر بحيث لاتجد حتى مجرد أطلال الذات الحقيقية في رسم ذلك المشهد الهستيري بالمتضادات ، فلا نجد رسم متطلبات الهوية العربية الإسلامية في بعد ثوابتها وانفتاحها الواعي ، بل تتشكل لغة التجزئة والتبعية المطلقة المنفلتة من بعد ثقافتها ، والواقع النقدي يقدم مؤشرات حادة مفادها عدم بلوغنا ونحن على مساحات القرن الواحد والعشرين حقيقة المأسسة الجادة لثقافتنا العربية ، فضلا عن ضبابية الثقافة السياسية وعشوائية قراراتها التي تئن في آتون التبعية والصدمة من الأخر وبلوغ أزمة عقدة المغلوب فيها اوجها حتى فاقت ما سطره ابن خلدون في نظرية الغالب والمغلوب في بعدها الفردي و الجمعي المطلق ، بحيث يبرز فيها ظاهرة بيع المبادئ بالمزاد العلني على سيمفونيات الدولارات ، فلا يخفى ما يتشكل لنا من لوحات سريانية متضادة عبر المشهد السياسي العربي تنم عن غياب الوعي الثقافي وانحراف لغة السياسية عن خلفيتها الفكرية التي تضمن مساراتها في ضوء ثقافة الوعي والديمقراطية وحرية التعبير والمشاركة الفاعلة بين المواطن والسلطة ، وفي مقدمة ذلك الانتماء العربي للامة العربية والتاريخ والمستقبل الحر الأبي وهذا يشكل بعدا من التحديات الحضارية التي تقتضي تكاتف النخبة المثقفة والأعلام العربي والمؤسسة التربوية لتفعيل ميثاق عربي جاد يجمع تلك النخب المثقفة المخلصة في ظل مأسسة إعلامية وإلكترونية وتربوية تنتشل ثقافة الهزيمة من جذورها بالوعي الفكري ، وتعلي قيم تقدير الذات واستقلالية قرارها أمام الأخر المستبد المستلب فتذوى معها منابر تلك الثقافة المتقزمة ، فتنتشر في أجوائنا الثقافية لغة النهوض الحضاري وقداسة الأرض وعمق الولاء في ثلاثية ( الإسلام ، العروبة ، الوطن ) معا بلا تضادات ، واستقلالية النهج وعدم الاستلاب أمام امركة السياسة ، بحيث تغذيها ثقافة الوعي السياسي والتنمية السياسية عبر المؤسسات التربوية التي يقع على عاتقها تنمية الولاء للهوية العربية الإسلامية ونبذ التبعية وتبني الديمقراطية والإثراء من التجارب الإنسانية واحترام الأخر في لغة قرارات تتسم بالإيجابية والمسؤولية والكفاية الفاعلة وتباعا لما سبق ؛ فإن مترتبات الفوضى الثقافية والعشوائية السياسية أسهمت في إفراز خطوط تدعي العقلانية الباردة في انحراف عن الخط القومي العربي وسياسة تقدير الذات في ضوء التذوت المنسلخ مع الأخر وفقدان إمكانيات الذات في الممكن والمتاح والحقيقة ، تحت لغة الانزواء في أحادية انهزامية تتطلب الخروج عن سرب الهوية القومية وسيادة الذات في كافة أبعادها الفردية والجمعية والمؤسسية وأشكال القرار السياسي والعام ، وبلغت حدتها في المشهد الإعلامي العربي ، ولكن في الوقت ذاته امتدت ثقافة الصمت التي تلف عالمنا العربي في مزيد من الصمت الكهفي المكفهر ، في غيبوبة عن الوعي والمشاركة وبذل اقل متطلبات المناعة والمواجهة ، أمام تلك الثقافات المدجنة المنظمة ، عبر مساحات إعلامية تتسارع في التمادي ومزيدا من البحبحة الإعلامية وفضاءات بوح رمادي لمبشراتها المستقبلية في غد جميل هادئ مستقر رومانسي شاعري ، بعيدا عن لغة الواقعية ومصداقية الحقيقة ، والمواطن العربي في ظل تلك الأجواء يمارس عليه القهر ومستجدات منتجات غسل الأدمغة الفكرية ، وماهيات لاتنتهي من لغات التفكير عنه ، في حالة وأد مطلقة لايعي معها أبجديات ثقافته العربية وماهية المستقبل الذي ينتظره وضبابية العلاقة بين أجياله ومترتبات نظمه السياسية في فوضوية القرارات ومسافات التسيب عن متطلبات النهوض الحضاري في منجزات الفكر والرقمية في كل مترتباتها الإلكترونية من قبيل تفعيل الاقتراع الإلكتروني في منجزات الديمقراطية الإلكترونية القادمة وغيرها من أبعاد إلكترونية الثقافة والرأي العام والفن والأدب وابعاد ميكانيكا المادة في المنجزات فضلا عن حالات التميع غير المستساغة في نبذ الولاء للهوية العربية الإسلامية في المؤسسة الإعلامية والحراك الاجتماعي .
أما ما يخص الثقافة السياسية وابعادها التوعوية فهي في رحم حروف لم ترتسم بعد في ذاكرة المواطن العربي في المشهد النقدي لواقعه، وما زالت في رؤى حالمة تنتظر الميلاد الجميل .
وكل ما سبق هو خلاصة رواسب الممنوعات التي تزج بعيدا عن برمجتها فكريا في عقول أجيالنا ، تحت تؤاطؤ النظم السياسية العربية وتخاذل النخب المثقفة في مساحات التوعية الجادة المسؤولة بكفاية وخلق وإيجابية ، وان وجد بعض رمق منها فهو شتات لايسمن ولايغني من جوع ، ولايتناسب البتة مع مساحات الهوة في التحديات بين الواقع والمطلوب من جهة ، وخارج عن سرب مأسسة منظمة من جهة أخرى . تستهدف بناء الثقافة السياسية الواعية لا الانشغال بمهاترات وازعاجات مع النظم السياسية من جهة وتكثيف الرؤى في الظهور الشكلي الخارجي على الساحة بعيدا عن البناء الفكري الثقافي الفاعل وبرمجة أدواته الفكرية في البث والنشر في المواطن العربي والأجيال القادمة عبر تنمية سياسية واعية في افقها التربوي والأعلامي الفاعل.
وانطلاقا مما سبق ؛ فلا عجب أن تجتاحنا بين الحين والآخر هستريا فوضى سياسية في أتون ثقافات مدجنة من لغات متنوعة عبر طرفي الاستسلام والانسلاخ ، تستهدف تحريكنا في سمت دمية متهاوية في يد الأخر السادي ، حيث يعطل الجسد والقرار ويغدو السراب حقيقة على شاشات الوهم ، ويغدو الخريف ربيعا على صفحات الأعلام المتراقص على طبول التطبيع والأنا المستلبة في أعماقها في ذاكرة منفصمة عن جوهر ذاتها في ذاتها ، فتبدو لنا ثنائية ( الوهم ، انفصام الذاكرة ) مترامية مبتذلة على مسرح السياسة العربية ، وتعكس لنا رمادية ستائرها المستلبة في المشهد الثقافي القاتم وثلاثية متأكلة في ( الآن ، الأنا ، هوية الجغرافيا ) ، تقتضي حالة استنهاض عارمة مؤسسية في عالمنا العربي ، لأننا إن لم نصنع يومنا وغدنا ، فلابد أن نجد أنفسنا في آن وغد مصطنع من الأخر السادي الذي يرمقنا من بعيد ، ويسجننا في سجن أنفسنا من ذاتنا . ويطبع ألسنتنا بصبغته بمحض إرادتنا في _محرك إلكتروني ـ عن بعد ، فندفن حلمنا بعشق واهم منا ، ونتبجح برغباته المستعرة على مملكة أجسادنا حتى الفناء الأخير ، وحتى تغدو اللوحة برسم أقلام ثقافتنا الحرة الأبية فلتصبح أوراق آننا وحبرها الطاهر على صباح حرية جميل.
الدائرة المغلقة: الشباب - التمرد - الاستلاب

الحركة الطلابية الأردنية نموذجا(4)
مدخل: من الإنسان إلى "المسنن"
يولد العربي ضمن أسرة كبيرة، ويتعود السكوت منذ الصغر في حضرة من هم أكبر منه سنا،
ويقال له أن "كثرة الأسئلة قلة حياء"، إلى أن يخرج إلى المدرسة حيث الأستاذ يحمل العصا، فيكون عليه أن "يتكتف ويضع إصبعه أمام فمه" دلالة على الأدب، وأن يمر بتمرينات عسكرتارية (من "طابور الصباح" إلى الالتزام بعدم مغادرة الصف أو المدرسة). والحال أن ذلك كله يهدف إلى تطويع الطفل ضمن تقاليد المنظومة الاجتماعية المتوارثة، والى وأد أي نزعة للتغيير او النقد، تحت تهديد العقوبة القاسية "التي يتعرض لها الابن حين يعصى إرادة أبيه في نمط العائلة التقليدي، فيصبح الابن عاجزا ومسلوبا من حقوقه ومجردا من ملكيته..." فيتعلم الابن عبر التجربة المؤلمة انه لن يأمل في الوصول إلى هدفه المنشود إلا "بالخضوع لإرادة أبيه" وللإرادة الاجتماعية القمعية بشكلها الأوسع.
هذا النسق يتعارض مع البنية النفسية للطفل والشاب التائقين دوما إلى الحرية والتمرد، ولذلك يستدعي خرقا دائما للقواعد يتجلى - في شكله الأكثر تكثيفا - في مرحلة "المراهقة."(3) ويستمر الشاب في محاولات "الخروج من جلباب الأب" التي تتكسر في النهاية حين يتموضع هو نفسه اجتماعيا كأب (او ام طبعا) في المنظومة نفسها، ومن خلال آليتين متداخلتين:
* الزواج: حيث يتحول الشاب بالمفهوم الاجتماعي إلى معيل عليه مسؤوليات تقتضي منه التخلي عن أفكاره "الغريبة" ليتمكن أولا من تحقيق "المتطلبات الاجتماعية" (منزل، أثاث، مجوهرات، مهر، عرس، ...) ومن ثم لتوفير لقمة العيش لنفسه وعياله.
* العمل: حيث يضطر الشاب إلى الانخراط في المنظومة الاجتماعية/الاقتصادية الفاسدة السائدة حتى يستحيل عليه أن يفتك منها (هذا إن لم يتواطأ معها!)
وعليه، فان الطفل/الشاب العربي يمر بآليات اجتماعية تعيد تشكيله من إنسان إلى "مسنن" في الآلة الاجتماعية. وتصل هذه التحولات ذروتها عندما "يندمج" الشاب اجتماعيا بالآليات التي كان متمردا عليها. وهكذا "يعقل" الشاب ويقرر "بمحض إرادته"، وبمساعدة مبرمجة من الأهل والمدرسة والجامعة والمجتمع، التحول إلى مسنن، حيث لا مفر آخر سوى الهجرة او الانتحار.
هنا، نستطيع تحديد صراع متبلور: انه صراع اجتماعي ذو انعكاسات اجتماعية/اقتصادية، بمعنى انه صراع الأقلية ذات النمط الأبوي الرجعي (قارن ذلك بالأقلية الرأسمالية) ضد الأغلبية الشابة من رافضي ذلك النمط (قارن ذلك بالأكثرية العمالية). الأغلبية الشابة (مضافا إليها النساء والأطفال) يقع عليها الاضطهاد الأقصى وتفرض عليها الوصاية الاجتماعية والاقتصادية بشكل دائم:
* تستغل اقتصاديا. فلا تعد الدراسة والتعليم مثلا عملا يستدعي راتبا أو مكافأة (مع انه يدخل في صلب العملية الإنتاجية من حيث اكتساب المعرفة والمهارة الإنتاجية). وغالبا ما يعمل الأطفال والشباب ليذهب الراتب، على قلته، إلى جيب الأب أو الأم.
* يتم التعامل معها بدونية وازدراء.
* لا تنعكس كثرتها العددية في مراكز متقدمة في أماكن صنع القرار على اختلاف أنواعها.
* لا يتم إشراكها في تخطيط السياسات أو البرامج المتعلقة بها بشكل خاص، أو مجتمعها بشكل عام.
لهذا كله يتمرد الشباب، ويندفعون نحو التغيير الراديكالي. وباندفاعهم يرفضون الواقع المأزوم، والثقافة السائدة المأزومة: فيرفضون الملابس التقليدية، والموسيقى التقليدية، والطعام التقليدي. ولعدم وجود ثقافة تقدمية حقيقة، يسقط الشباب في "النمط الاستهلاكي العولمي" الجذاب، أو "الفكر الديني" الجذاب هو أيضا. ويتم ذلك ضمن تقسيمة طبقية: فمن يملك ثمن التوجه نحو "النمط الاستهلاكي" يفعل، ومن لا يملك الثمن يتوجه نحو نمط نقيض في المظهر ولكنه متوافق معه في الجوهر الاستلابي: فإذا كان الاستلاب الأول هروبا إلى الخارج، وذلك بنبذ كل ما يمت بصلة إلى الثقافة التقليدية وتبني النمط الاستهلاكي الرأسمالي (الأمريكي تحديدا)، فان الاستلاب الثاني (أو "الصحوة" كما يسميها البعض!) هو الهروب إلى الداخل، إلى الماضي، وذلك في عملية عبثية للرجوع ألف واربعمئة عام إلى الوراء للبدء بسبق حضاري جديد ضمن معطيات لن تتكرر أبدا.
ويعزز الاستلاب الأول سيطرة السمعي/البصري على سائر المنتجات الثقافية، ورواج قنوات الفيديو كليب ومنتجاتها. وربما كان التعبير الأمثل على هذا الاثر مظاهرات "سورية اطلعي بره" التي كانت عبارة عن فيديو كليب مكبر، وكان شكله (ومضمونه أيضا) إعادة إنتاج لشباب تشبعوا بالهيئات الجديدة new looks والـ"أناقة العارية": فعلى التظاهر نفسه أن يكون على الموضة in style ! ولقد شهدنا مثل هذا في الأردن، وذلك في المظاهرات التي رعتها الحكومة بعد تفجيرات عمان: وجوه ملونة، وبطون مكشوفة، وحزن متكلف، وآلاف آلاف الخرق الملونة المسماة إعلاما وطنية،وكلها تحت إخراج واحد: نادين لبكي، وساتشي آند ساتشي، وسائر الوجبات الروتانية السريعة التي يعيد الشخص انتاجها بصفتها وعيا شخصيا اصيلا original دون أن ينتبه إلى أنها مجرد إعادة تمثل رخيصة للقيء الاستهلاكي اليومي الذي تضخه الشركات ( ملابس، مكياج، نظارات، صبغات شعر، حقن ستيرويد، سيارات، موبايلات،...). وهكذا يتحول الشخص إلى انتهازي رخيص برسم البيع ليشبع كل هذه الحاجات الكاذبة. ويبدو ان الرأسمالية التي أصبحت خبيرة جدا في "خلق الطلب" (أيام زمان كانت الحاجة هي التي تخلق الطلب، والطلب يؤثر على العرض زيادة أو نقصا، وأما اليوم فتقوم الشركات بإنتاج السلع، ثم تستأجر شركات أخرى لعمل حملات إعلانية لإقناع المستهلك بأنه بحاجة ماسة إلى هذه السلع، وبالتالي تخلق الطلب، ويتحكم منتج السلعة بالعرض والطلب معا!) تعرف أيضا إن الفرد الخاضع لسطوة السلعة الاستهلاكية قادر على أن يعمل أي شيء ليشبع نهمه إلى تلك للسلعة التافهة، ويتحول المحيط (البيت، العائلة، الوطن) إلى سوق أسهم وسندات لا غير: أموال وكبسات أزرار وأرقام وأحرف تمر بسرعة على شاشة مضيئة.
أن ما لاحظته في النمطين السائدين للتعبير عن "التمرد" الشاب هو أن أحدهما طبق الأصل عن الآخر، ويشتركان في جذر واحد هو "الاستلاب" كما عرفه فيورباخ وماركس. انهما في الواقع يموضعان "الوهم الرفضي" بصفته وثنا في غياب صيرورة تقدمية حقيقية: الاول يجعل من افرازات الامبريالية والعولمة وثنا استهلاكيا، والثاني يجعل من الماضي وثنا تطهريا.
إذا أخذنا بعين الاعتبار كل ما سبق، واضفنا اليه حقيقة ان المجتمع الاردني مجتمع شاب، يشكل من هم دون الثلاثين ما نسبته 73.5% من مجموع السكان، وان الحركة الطلابية الاردنية هي الحركة الوحيدة التي تحمل برنامجا استراتيجيا رغم التغيرات والفجوات الزمنية الكبيرة بين "فترة نهضة طلابية" وأخرى، بل وتعتبر "كلا لا يتجزأ بدليل ان اطرها العامة واهدافها الرئيسية ظلت ثابته طيلة السنوات الخمسين" الماضية، استطعنا الاستنتاج بحذر ان الشباب هم المعادل الاجتماعي للطبقة العاملة في المفهوم الماركسي التقليـدي، وان الطلبـة (الطليعة المثقفة للشباب) هم بروليتاريا اجتماعية بامتياز. ف " الحركة الطلابية تتميز بحرية المبادرة والفعل، ذلك انها غير خاضعة كليا لأسر العلاقات الاجتماعية بحكم شبابيتها،" ويصبح الرهان عليها في التغيير رهانا في مكانه، وتصدق العبارة: "ان تاريخ المعارك التحررية التي خاضتها البشرية هو تاريخ الأجيال الفتية."
كما ان عدم وجود دخل مستقل للطلبة والشباب بشكل عام، واعتمادهم شبه الكلي على اهلهم في السكن والاعالة المادية، عامل اضافي يسهل الضغط عليهم لثنيهم عن اي نشاط سياسي او نقابي.
ويمكن ملاحظة عدة عوامل اجتماعية اخرى تصب في السياق نفسه:
أ – سهولة ممارسة الادارة الجامعية للضغوط، مثل الانذار والفصل، وما يتبع ذلك من اعاقة لمسيرة الطلاب الدراسية وتحميلهم اعباء مادية .
ب – تراجع الثقافة الوطنية التقدمية امام الثقافة الاستلابية بشقيها الديني والاستهلاكي، وما يستتبع ذلك من تشتت للجهود الطلابية وعوقها من القيام بتغييرات جذرية.
ج – الانتكاسات السياسية المتلاحقة وخصوصا في العقد الاخير من القرن العشرين (حرب الخليج الثانية، احتلال العراق، استمرارعملية تصفية القضية الفلسطينية)، الامر الذي ولد احباطات هائلة لدى الشباب.
د – سيادة الثقافة التحذيرية من العمل العام، وخصوصا بضغط من الاهل، وضمن معادلة "الحذر من انعكاس النشاط السياسي على مستقبل الشاب" الذي يعيش في مجتمع يعاني ازمة بطالة حادة.
و- تراجع الاحزاب والقوى السياسية في المجتمع، بل وانقلابها الى حالة "ضد العمل الجماهيري" ضمن معادلاتها وتوازناتها مع السلطة السياسية.
مصر بين الالتهاب الديني والاستلاب السياسي: هل المحروسة في خطر؟(5)
الاستلاب السياسي
أحد أسباب وصول الوضع الاجتماعي المصري الى حالة الالتهاب الديني هي حالة الاستلاب السياسي التي يعاني منها الشباب المصري. فالجمود السياسي في مصر منذ انتصار حرب العبور لا يمنح الشباب الصاعد أية فرصة للمشاركة في صنع احلامه وبناء مستقبله الجماعي والفردي، فالشباب في كل مجتمع هو طاقة هذا المجتمع المتجددة التي تنطلق دائما متجاوزة جيل الآباء حاملة مشاعل احلامها الخاصة التي عادة تتجاوز أحلام الجيل السابق، ولكننا في مصر في ثلث القرن الاخير نجد الابواب مغلقة امام هذا الجيل، فلم تستطع القيادة السياسية والثقافية خلق وبلورة حلم وطني مشترك جذاب يمنح الشباب الامل وفرص العمل وحرية الاختيار والابتكار. وراحت السياسات الاقتصادية تتخبط بين برامج خصخصة غير منضبطة تحكمها الشللية والمنفعة الشخصية.. وبرامج مالية ومصرفية سمحت بقدر هائل من النهب للمال العام حتى سمعنا عن ظاهرة "نواب القروض"! وبين هذه وتلك واجه الشباب وحش البطالة بمفرده فاضطر الكثيرون الى الهجرة وآخرون الى الجلوس على المقاهي التي اصبحت مفتوحة حتى في اضيق الحارات طوال الليل والنهار بشكل لا نعرف له مثيلا في بقية دول الارض.
لقد تجمد الوضع السياسي في مصر على مدى ربع قرن بلا تغيير في الاسماء الماسكة لخيوط الحكم والسياسة والثقافة والاعلام والاقتصاد والمال.. بما حجب عن الجيل التالي كل فرص العمل والامل معا. لقد سلبت جماعة صغيرة الساحة السياسية والاقتصادية والثقافية بكل مفاتيحها واختطفتها لحسابها الخاص تاركة جموع الشباب من الاجيال التالية لمصيرها من فقر واهمال وجهل وبطالة، فلم يكن امام هذه الملايين من الشباب سوى الانطواء تحت لواء من يقدمون لهم فرصة اللجوء الى الله، فعلى الاقل يحصلون على نصيب لهم من الآخرة بعد ان ضاع عليهم نصيبهم من الدنيا!
وهكذا كانت حالة الاستلاب السياسي سببا هاما من اسباب تفاقم حالة الالتهاب الديني، وبالعكس كان شبح وصول الاخوان الى الحكم على موجة الالتهاب الديني احد اهم اسباب سكوت ورضا بعض القطاعات المصرية بالنظام.. مكرسة بذلك حالة الاستلاب السياسي باعتبارها اهون الشرين في دوامة رهيبة لا تبدو لها نهاية مشرقة.
اهتزاز مكانة مصر
مع التشوه الذي حدث للشخصية المصرية من جراء معاناتها من الالتهاب الديني بفكره السلفي الغائب عن العصر من ناحية.. والاحتقان الناتج عن الاستلاب السياسي وجمود الفكر القيادي في كافة قطاعات المجتمع الحيوية من ناحية اخرى –وغياب الرؤية السياسية الخالقة للأمل القادرة على الانجاز داخليا وخارجيا على السواء، كان من الطبيعي ان تفقد مصر تدريجيا مواقعها القيادية في المنطقة في المجالات السياسية والثقافية والحضارية. فتراجع الاعلام والتعليم وتدهورت الثقافة والفنون والاداب والعلوم، وكاد ان ينقرض المثقف المصري والفنان المصري والمبدع المصري والعالم المصري، ولا نكاد نجد نماذج لهؤلاء في الاجيال الصاعدة. ومع الضعف الداخلي كان لابد ان يأتي اهتزاز المكانة في المنطقة، ورأينا تراجع الدور القيادي المصري وتقدم الدور السعودي ليكون هو القائد البديل. وليس هذا غريبا فالسعودية هي القائد الطبيعي لحالة الالتهاب الديني الذي اصاب البلاد العربية كلها تقريبا بتشجيع وتمويل من السعودية نفسها. فالفكر السلفي هو السائد اليوم بعد انحسار الفكر الوطني القومي والفكر اليساري الذي اصبح خارج العصر هو الآخر، وتخبط الفكر الليبرالي دون بوصلة وطنية تقوده على طريق الشرعية فإذا ببعض المؤمنين به يؤيدون الغزو الاميركي للعراق ويدافعون عن مواقف المحافظين الجدد المعادية للمصالح العربية بل والمعادية للمنطق والعقل والعدل بصفة عامة.
وهكذا تتصدر السعودية المشهد العربي المشوه الحالي – وتنزوي مصر تلعق جراحها الذاتية التي اصابت جسدها وروحها على السواء.
ويشكل هذا كله خطرا كبيرا يهدد امن وسلامة ومستقبل مصر. نعم، ان المحروسة في خطر.
العلاقة بين الديموقراطية والمجتمع المدني(6)
لقد تحوّل المجتمع العربي بعد اختراقه وتكييف بناه الاجتماعية أو تنسيقها ــ انطلاقاً من ارتباط أنظمة الحكم العربية بمراكز الرأسمالية الغربية، واختيارها طريق التنمية الاستهلاكية المشوهة التابع في إطار البقاء كجزء تابع للاقتصاد الرأسمالي العالمي، حيث أدى ذلك في ظل العلاقات الاقتصادية غير المتكافئة إلى وقوع الدول العربية في أزمات اقتصادية خانقة تحمّل الطبقات الشعبية إسقاطاتها السلبية والمدمرة، في ظل توزيع غير عادل للدخل القومي، والإنفاق المتزايد على التسلح، وانخفاض شديد في معدلات الانتاج، وعدم اهتمام أنظمة الحكم العربية بالمشاركة السياسية، وتدهور الديموقراطية وانتهاك حقوق الانسان حين تركزت السلطة في أيدي الأقلية المستغلة التي تستخدم أسلوب القمع والقهر للحفاظ على سلطتها وتكريس استغلالها للحفاظ على مصالحها الخاصة ــ تحول هذا المجتمع إلى جمع أو حشد غير منتج من أفراد استلبت فعاليتهم السياسية، وصاروا مربوطين بالدولة ــ السلطة، رباط الأمن أولاً، وبالصفة التوزيعية غير العادلة للدولة التي احتكرت مصادر الثروة والقوة والسلطة في المجتمع ثانياً.
وكان من الطبيعي أن يقود ذلك كله إلى سيادة حالة الاستلاب السياسي التي يعيشها المجتمع العربي الذي تهمشت قواه الاجتماعية وفقد فاعليته السياسية وانخرط في نمط الاستهلاك الذي عممته الرأسمالية الحديثة المتوحشة، وبات أقرب إلى المجتمع الجماهيري منه إلى المجتمع المدني المنتج.
لذلك يأتي النزوع الديموقراطي بل الليبرالي على قاعدة المجتمع الجماهيري، والسلطة المتسيدة، التي تتبنى بدورها جوانب من هذا الخطاب الليبرالي، وتمارس بعض الطقوس الكاريكاتورية والمصطنعة للديموقراطية الفوقية والمراقبة، كالقيام بالانتخابات المزورة التي أصبحت وظيفتها إضفاء شرعية على النخب الحاكمة عينها، وذلك في إطار غياب الديموقراطية الفعلية، وتجميل وجه بعض النظم الشمولية التسلطية.
وأمام إخفاق الأحزاب السياسية الحاكمة والمعارضة في صنع العملية الديموقراطية ــ باعتبار أن الديموقراطية قضية مجتمعية، وبسبب من بنية هذه الأحزاب التي «تجعل النفوذ فيها يبدأ من القمة متجهاً إلى القاعدة، وهذا وضع مقلوب من الناحية السياسية والدستورية من شأنه أن يجعل نفوذ الزعماء في الحزب على الكتلة الشعبية مطلقاً أو شبه مطلق، ولا يسمح للجماهير هنا بمناقشة الزعماء والحساب».
أصبحت هذه الأحزاب موسومة بالسلبية السياسية، سواء من حيث ذوبانها في السلطة واندماجها في عالمها، أو من حيث معارضتها لها على أساس برنامجها نفسه، ورؤيتها عينها.
هذه السلبية تتصدى اليوم لإنتاج خطاب ديموقراطي لا يخرج من دائرته النخبوية الضيقة، ولا بد من الكشف عن مقوماته ومبادئه لتحديد العلاقة بين الديموقراطية والمجتمع المدني، وإن بصورة سلبية في المرحلة الأولى.
ولعل من أهم مقومات الخطاب الديموقراطي الشائع لدى الحركة السياسية العربية عدم وضع الديموقراطية في المجتمع المدني، أي وضعها في العلاقة الديالكتيكية بين المجتمع المدني والدولة الوطنية ــ القومية.
ذلك لأن هذه الحركة السياسية باستثناء حركة الإسلام السياسي التي تراوغ في مسألة الديموقراطية، وتهرب من استحقاقاتها، والتي اتخذت من الديموقراطية اسم الشورى الذي لا يفصح عن دلالته، وحمولته الايديولوجية، إلا في معارضتها، قد كفت عن كونها تعبيراً عن المجتمع، وباتت جزءاً من السلطة التي احتكرت العمل السياسي.
ولذلك تجدنا أمام مشكلة نظرية وعملية، قوامها خروج القوى السياسية ذات الإيديولوجيا العصرية والمناهج الحديثة من عالم المجتمع، وذوبانها أو إلغاء نفسها إيجابياً أو سلبياً في عالم السلطات الحاكمة، وبزوغ حركة سياسية إسلامية عميقة الجذور في المجتمع تطرح في الغالب أهدافاً ثورية (كالصراع ضد الإمبريالية الأميركية، والوجود العسكري الأميركي في الخليج، ومقاومة العدو الصهيوني، وتحرير فلسطين)، وتتبنّى في الوقت عينه مناهج تقليدية، وإيديولوجيا تقليدية، ونستثني من هذه الحركة: الجماعات الاسلامية المتطرفة التي تمارس العنف ضد المجتمع، والتي تعبّر بهذا الخيار عن أزمتها بوصفها حركات التعصب والعنف التي هي دون السياسية وخارج عالم السياسة، أو لنقل هي التعبير اليائس المتوافر عن حالة الاستلاب السياسي التي يعيشها المجتمع العربي. نقطة الانطلاق الأساسية الفارقة بين الخطاب الديموقراطي النهضوي، والخطاب الشائع عن الديموقراطية، هو خطاب الفكر السياسي الراديكالي الذي يربط أو يضع الديموقراطية تحت مقولة السياسية بوصفها فاعلية اجتماعية، وإنتاجاً لحياة المجتمع السياسية، أي حياته القومية، ويقوم على منطق الممارسة (البراكسيس)، أي على الديالكتيك ومنطق الصيرورة وعقل الواقع.
في هذا السياق تتمفصل المسألة الديموقراطية مع الملكية التي هي أساس الحقوق ومناطها، ومع التعارضات الاجتماعية الملازمة للوجود الاجتماعي، وفي سياق العلاقة الجدلية بين المجتمع والدولة، التي هي تشكل الوجود السياسي للمجتمع، وتجسيد الحرية بقدر ما تتفق مع مطالب العقل، أي بقدر ما تكون عقلانية.
وجدير بالذكر أن مؤسسات المجتمع المدني بفاعليتها السياسية تشارك أو تنتج فرص المشاركة في الدولة من خلال المؤسسة التشريعية أولاً، والمؤسسة القضائية ثانياً، ومن خلال سلطة الثقافة والإعلام ثالثاً، وهذه جميعاً قيود وضعها المجتمع للحد من هيمنة السلطة التنفيذية، ففصل السلطات هو أهم مظاهر الدولة الحديثة، ولنظامها الديموقراطي لأنه ليس من سبيل يتيح للشعب مراقبة السلطة التنفيذية والحضور في قراراتها وخياراتها سوى هذا السبيل.
في هذه الحيثية، المجتمع المدني هو المجتمع المندمج قومياً، أي المجتمع الذي ينتج آليات داخلية عقلانية تحل مشكلة الأقليات، سواء منها الأقليات الإثنية أو الدينية أو المذهبية، فالاندماج القومي هو سيرورة نمو المجتمع المدني، وتحرير الأفراد من قيود البنى والعلاقات التقليدية ما قبل القومية والتزاماتها. إن تحرير المجتمع من الأطر ما قبل القومية هو محصلة تحرير أفراده، فكلما انعتق الفرد من واحد من هذه الأطر كالعائلة الممتدة أو العشيرة أو المذهب الطائفي... الخ، يزداد اندماجه في الفضاء الاجتماعي المشترك، لذلك تبدو العلاقة وثيقة بين النظام الديموقراطي وتصفية البنى والتشكيلات والعلاقات ما قبل القومية، فتحرير الأفراد من الأطر الاجتماعية التقليدية هو المدخل الضروري لاكتساب صفة المواطنين، صفة الأعضاء في المجتمع والدولة، والعضوية هنا تعني الفاعلية والمشاركة السياسيتين.
الوضع العربي الراهن:

انكشاف الأبعاد المتعددة للاستلاب(7)
حاز مفهوم "الاستلاب" على استعمال واسع في الفكر الغربي (والكلمة إحدى ترجمتين عربيتين لكلمةAlienation الإنجليزية و معادلها الألماني Entfremdung والترجمة الثانية هي "الاغتراب" وأنا أميل إلى الترجمة الأولى، لأن من الأفضل عند تحويل كلمة إلى مصطلح اختيار كلمة نادرة الاستعمال ليست متداولة بمعانٍ أعم. ومن هنا لم يكن "الاغتراب" هو المصطلح المناسب).
ويبدو أن هذا المصطلح جذَّاب لكل مفكر يريد دراسة مشكلة فقدان الإنسان لانسجام مع ذاته أو مع المجتمع. وقد استعمل المصطلح بكيفيات عديدة لا يكاد يكون بينها علاقة إلى درجة أن أي مؤلف جديد يستطيع استعمال هذا المصطلح بمفهومه الخاص، دون أن يعترض عليه إلا من يجهل الاستعمالات العديدة غير المترابطة التي استعمل فيها في الفكر الغربي الحديث.
الكاتب الذي درس هذه الاستعمالات دراسة دقيقة وهو ريتشارد شاخت يشبه المصطلح بمصطلح "وجودي" عند سارتر الذي قال عنه: "إن هذه الكلمة أصبحت تطلق على العديد من الأشياء بتوسع بالغ إلى حد أنها لم تعد تعني شيئاً على الإطلاق"، ويضيف شاخت معلقاً: "ويمكن أن يُقال ذلك عن مصطلح الاستلاب (استعمل المترجم كلمة "الاغتراب")، وإن يكن المبرر في الحالة الأخيرة أقوى، لا يعني ذلك أن ننكر أن الظواهر التي توصف لأنها كذلك على يد من يستخدمون هذا الاصطلاح هي ظواهر مهمة، بل الأمر على العكس، فالعديد من هذه الظواهر لها أهميتها ومغزاها، وتستدعي الحد الأقصى من الاهتمام، إلا أنه بسبب استخدام هذا الاصطلاح فيما يتعلق بالعديد من الظواهر المتباينة، أصبح لا يتمتع بأي ارتباط خاص بأي منها. ولا يعني استخدام اصطلاح الاستلاب اليوم دون مزيد من الإيضاح لما يقصده المرء ما يتجاوز قيام المرء بطرق كوبه الزجاجي بملعقته في إحدى المآدب، إن كلا الأمرين لا يسفر إلا عن جذب الانتباه".
هذا التشكيك بوجود معنى محدد، ولو كان عاماً، للمصطلح يفيد إذا أردنا سلفاً أن نغلق الباب على من يأتي ليتهمنا بأننا "استعملنا المصطلح خطأ"، فشاخت يرى أن هذا الاعتراض غير منطقي، ولكنني سأفيد منه استنتاجاً منطقياً في ظني وهو أن على الكاتب أن يحدد ما يعنيه بالضبط من هذا الاصطلاح.
ومن جهة أخرى، فإنني أعتقد أن هناك "جواً عاماً"، إن صح التعبير، تندرج فيه أغلب استعمالات هذا المفهوم، وإنني الآن وأنا بصدد التعليق على انكشاف ظواهر نفسية اجتماعية للجماعة المعنية، سأستعمل هذا الجو العام لأرصد أبعاد هذه الظواهر، وأحدد في كل حالة مفهومي للاستلاب الذي أصفه، وإنه لمصطلح فرض نفسه عليَّ بشكل غريب، فكأنني لم أجد كلمة تجمع هذه الظواهر غير "الاستلاب". وآمل ألا يرى القارئ بعد أن ينتهي من المقال أنني جانبت الصواب أو أن الحدس اللغوي لدي قد خانني.
وقد استعملت هذا المصطلح فيما مضى في توصيف وضع نفسي خاص يعادي فيه الإنسان مكونات ذاته الحقيقية ويتبنى إزاءها موقفاً هو موقف مرجع معاد له.
والكاتب العربي الذي ينطبق عليه في أغلب الحالات ما قاله ذات مرة الألماني فيلهلم رايش: "من يستطيع كتابة أبحاث جمالية عن معنى اللون عند الصراصير في بيت يحترق؟" لا يمكنه أن يبعد التحديات المصيرية التي يواجهها شعبه من رأسه حين يكتب حتى في المواضيع الفكرية الأكثر تجريداً، بل إن هذه التحديات قد تفرض عليه موضوع الكتابة أصلاً.
فما دفعني لكتابة هذا المقال، الوضع المأساوي الذي يجد فيه كل عربي نفسه: إنه يشهد خطر موت هذه الثقافة العظيمة، وقد ملأه الشعور بالعجز وانعدام القدرة على التأثير في مسار الأحداث.
هذا الشعور بالعجز سيخطر ببالي أولاً أن أرى فيه واحداً من تجليات ما أسميته "الاستلاب التغلبي"، وهو قناعة الفرد بأنه مهزوم بصورة حتمية في أي صراع يخوضه، أو بتعبير آخر، قناعته بصفرية قوة المغالبة عنده.
ولكنني حين أمعن التفكير في عناصر هذا الوضع، أجد أن الوضع استلابي حقاً، غير أنه متعدد الجوانب، وهذا المقال يهدف إلى تركيز الانتباه على بعض هذه الجوانب.
أستعمل مصطلح "الاستلاب" بمعنى إنكار مكونات الذات الحقيقية، واستبدال ذات مثالية بها، والاقتناع بأن هذه الذات الزائفة هي الحقيقية. فهي إذن عملية تزييف مكتملة لنظرة المرء إلى ذاته.
والذات الحقيقية هي مفهوم حركي (أو كما يقولون "ديناميكي") فهي واقع الشخص الموضوعي (الجسدي،النفسي،الاجتماعي)، وهي أيضاً نمط السلوك الناتج عن الخبرة والتعلم وعن الموروث الثقافي.
معنى هذا أن الذات الحقيقية لا تتضمن فقط صفات موضوعية يصعب التخلص منها ولو أراد صاحبها (فتاة تتمنى لو كانت أطول أو أقصر أو لو كانت عيناها من لون آخر، أو شاب يتمنى لو كان أذكى، أو رجل يتمنى لو كان أغنى إلى آخره...)، بل تتضمن أيضاً قناعات ونمطاً سلوكياً.
أريد أولاً التطرق إلى مظاهر الاستلاب العربي الشامل، ثم في النهاية اقتراح معالجة منهجية تقدمها رؤية الإسلام للظاهرة الاستلابية. وهذا القسم الثاني هو مجرد تلخيص ورؤوس نقاط لموضوع حيوي.
في مظاهر الاستلاب العربي الشامل
1- الاستلاب السياسي اغتراب المؤسسة السياسية عن المواطن كان واحد من أكبر فلاسفة السياسة وهو الفيلسوف الألماني هيجل، يرى أن المؤسسة الاجتماعية وتعبيرها السياسي هي من إنتاج الإنسان، غير أنها تبدو له في حالة الاستلاب غريبة عنه بل معادية وتقف في مواجهته.
ولا أظن أن في العالم حالة من اغتراب المواطن عن المؤسسة السياسية في بلاده تزيد في حدتها عن تلك الموجودة في بلاد العرب، إذ إن هذه المؤسسة لم تأخذ شرعية من أي شكل من القاعدة الاجتماعية التي يفترض أنها تمثِّلها وتعبر عنها.
إنه لا يرى أن السلطة تعبِّر عنه، أو أن إرادتها جزء من إرادته، وإنما يرى أن إرادة السلطة هي أساس تتوجه نحو كسر إرادته، ومنعه من التعبير عنها، بل هو يحس أحياناً أن إرادة السلطة تتعمد التناقض مع إرادته وطموحاته، وأهدافه، ومُثله العليا الدينية، ومصالحه الدنيوية!
والموقف العاجز كلياً الذي وقفته أكثر الأنظمة العربية حيال العربدة الصهيونية التي كانت دوماً موجودة، ولكنها بلغت على عهد شارون مرتبة نوعية جديدة، جعلت المواطن العربي يحسُّ بالسخط، وساد الشعور بأن سلوك المؤسسة السياسية الرسمية متخاذل، ولكن المواطن لم يجد طريقة لتغيير هذا السلوك الذي يبدو للملايين معيباً، ولم يجد المواطن إلا التعبير عن الغضب العاجز الذي لا يتحوَّل إلى طاقة دافعة تنجز مشروعاً بديلاً. لماذا؟ لأن هذا المشروع ببساطة غير موجود. تبدأ الشعوب في العمل حين يظهر في الأفق برنامج عملي واقعي واضح. وهذا البرنامج في اعتقادي غير موجود إلى الآن.
2- الاستلاب الأخلاقي: وأعرفه ببساطة بأنه فقدان الشعور بالحق مع وجوده!
"الحق" هنا لا أفصله عن "الحقيقة"، ففي هذا البعد من الاستلاب، يجبر الفرد أو تجبر الجماعة على إنكار حقائق تاريخية ثابتة، تحت ظل إكراه مرجعي دولي. ويبدأ الاستلاب منذ أن تقر الجماعة وتستبطن المفاهيم المزيَّفة التي يُراد لها أن تحملها عن واقع كانت تعرفه في الأصل حق المعرفة.
لا يوجد مثال محزن على هذا الاستلاب أكثر من المثال العربي الذي أجبر على إخراس الصوت الداخلي الذي يقول له: إن فلسطين مغتصبة، وأكره على النطق بلغة "الشرعية الدولية"، ثم أكره على تقبل التغير المطرد في مفاهيم هذه الشرعية الدولية عن التاريخ باتجاه التنازل المستمر، لا عن "الحق" بل عن "الحقيقة": كما نرى الآن استعمالنا الطبيعي لمفهوم "الأراضي المحتلة" لوصف الجزء المحتل في عام 1967، واستعمال مفهوم "السلام العادل" لتسوية تتضمن التنازل عن "حقيقة" الاغتصاب، وهنا تكمن الواقعة الاستلابية.
وفي النقاش الدائر حول مياه نهر الحاصباني، يعتبر من البدهي أن ثمة جزءاً من المياه من حق "إسرائيل"، ولا يتذكر العرب أن هذه المياه هي من حق أربعة ملايين لاجئ ممنوعين من العودة إلى ديارهم!
3- فقدان السيطرة على الذات،على الغرائز، تناقض المثل الأعلى مع السلوك، تناقض الهدف مع الوسيلة: يمكن القول إن الشخص "مستلب" أي هو مغترب عن ذاته، حين تتناقض أهدافه العملية والأخلاقية مع سلوكه شرط أن يكون مؤمناً حقاً بهذه الأهداف، ولا يكون التناقض تعبيراً عن نفاق نألفه في بعض حالات السياسة.
والعربي في وقتنا هذا مثال على هذه الحالة، فهو يريد شيئاً، ولكنه يسلك سلوكاً يتناقض مع ما يريده. وهو يحس بهذا التناقض، ولكنه يجد نفسه عاجزاً، أو هو مقتنع بأنه عاجز عن تبديل سلوكه، وإزالة هذا التناقض.
ولو بحثنا في التعبير التحليلي عن هذا الموقف النفسي، فسنجد أن الفرد في هذا الوضع قد فقد السيطرة على غرائزه، إذ هي التي تحرك سلوكه المتناقض مع أهدافه التي تبناها "الأنا الأعلى" عنده، إن شئنا أن نطلق على المراقب الأخلاقي المعياري للذات هذا الاسم الذي تبنته مدرسة التحليل النفسي.
وأعني بمصطلح "الغرائز" هنا ما هو أوسع بكثير من معناها الموجود في المدرسة المذكورة، إذ أطابقها مع ما دعوته سابقاً "بالدوافع الاستلابية".
ما الدوافع التي تدفع العربي في اتجاه يتناقض مع الأهداف الكبرى التي تطرحها المرحلة الراهنة، وهي النهضة الشاملة التي تكفل الحياة الكريمة ورد كيد الأعداء والقدرة على مقاومة التحدي المصيري الذي يفرضونه؟
إنها دوافع من نوع: الأنانية، الميل الذي لا يقاوم لتغليب التناقض الثانوي مع الأخ على التناقض الرئيس مع العدو الغريب، الميل الفردي الذي يجعل العربي غير قادر على العمل الجماعي، ولا يستطيع القبول بمبدأ تقسيم العمل، ولا يستطيع التنازل ولو قليلاً عن كرامته الزائفة حيال أقل خدش لها جاء من أخيه فيشعلها حرباً طاحنة (في مقابل استعداد للمساومة المذلة مع العدو الخارجي، أما حين لا تكون هذه المساومة مقبولة، نجد العربي لا يقبل توحيد الجهد مع رفقاء الخندق الواحد، ويستمر في خوض الحرب معهم في الوقت الذي يخوض فيه حربه مع العدو الغريب فتكون النتيجة هزيمة نكراء).
الإسلام كنقيض للاستلاب
ما ذكرناه يقودنا إلى السؤال عن موقف الإسلام من الظاهرة الاستلابية، وهو بحث جدير بدراسة طويلة، ولكنني في هذا المقال القصير أكتفي برؤوس أقلام:
أولاً: توكيد الذات الأصيلة المستقلة ومحاربة التقليد: صادقت الفلسفة الغربية الحديثة في اتجاهها الأكثر تأثيراً على أن ماهية الإنسان هي ماهية مادية: الفرويدية ترى أنها ماهية غريزية حسية أساساً، والماركسية ترى أنها ماهية اقتصادية، والفلسفة الوضعية المنطقية لا تكاد تخرج عن السرب، إذ هي تنكر كل ميتافيزيقا، ولا تقر بما لا يمكن التحقق من صحته بالمعنى المباشر لكلمة "تحقق".
وقد أنكر سارتر أن يكون للإنسان ماهية ما، ورأى أن الوجود يسبق الماهية، وأن الإنسان حر، ولكنه قد يخفي عن نفسه حريته وينسب إليها أنها مجبرة خاضعة للحتمية، وهو في هذا يذهب إلى الجانب الأقصى الآخر، فلا يجد داخل الإنسان شيئاً مستقراً ثابتاً في أعماقه سابقاً على وجوده.
أما النظرة الإسلامية، فترى أن ثمة ماهية مختبئة في أعماق الإنسان، وهي قوة قادرة على توجيهه وتعريفه بالصواب والخطأ هي "الفطرة"، ولكنه مع وجود الفطرة حر في سلوك طريق الضلال والابتعاد عنها!.
والإسلام ليس ديناً طارئاًً على البشرية، بل هو الدين الذي احتوى الحقائق الثابتة للإنسان في علاقته مع خالقه ومع الكون. إذ الإسلام هو دين الفطرة الذي لم يزل يدعو إليه الأنبياء من عهد آدم إلى آخر الأنبياء عليه وعليهم السلام . هو الدين القيم الذي أخذ الله العهد من البشر، وهم في ظهر أبيهم آدم على اتباعه.
وبهذا المعنى، فإن الإسلام يعبر عن الذات الحقيقية للبشر التي يمكن أن يغتربوا عنها بتأثير التربية والنظام الاجتماعي الفاسد، والدعوة للإسلام بهذا المعنى هي دعوة للخلاص الشامل من الاستلاب الذي عرفناه تعريفاً عاماً، بأنه وضع ذات زائفة في مكان الذات الحقيقية، وأضيف الآن أن المستلب (اسم المفعول) ينطق بلسان هذه الذات الزائفة على حين تكمن ذاته الحقيقية مكبوتة لا تكاد تنطق إلا بأشكال غير مباشرة وغير واعية.
يقول عز وجل: وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا (البقرة:143)
إذاً فالمسلم الحقيقي هو الإنسان المتبع لدين الفطرة التي هي الذات الحقيقية للبشر ومثلها الأعلى هو النبي ص، وهذه الأمة هي المقياس لوجود استلاب في عالم البشر، والنبي ص، هو المعيار لكل فرد من هذه الأمة.
ومن هنا كان على المسلم أن يبتعد عن التقليد في كل النواحي التي لا تنسجم مع الفطرة البشرية، وفي المقابل أبيح له، بل ندب وفرض فرض كفاية، أن يبحث عن الحكمة عند غير المسلمين ويعتبرها ضالته، إذ إن من تجرد من الإسلام ديناً فهو ليس بالضرورة متجرداً من الفطرة وتجلياتها! وهذا ما يمكن أن نضرب عليه مثالاً في وجود بعض الأنظمة السياسية والاجتماعية العادلة عند بعض الشعوب غير المسلمة، على حين وجد الظلم عند كثير من المسلمين حين ابتعدوا عن جوهر الإسلام، وبالمثل توجد قيم فطرية عند غير المسلمين كالنظافة والنظام، قيم دعا إليها الإسلام، وتخلى عنها أتباعه المفترضون، وكل هذا عبَّر عنه محمد عبده يرحمه الله حين لخَّص الفرق بين ما رآه في أوروبا، وما رآه في بلاده قائلاً: إنه رأى في أوروبا إسلاماً، ولم ير مسلمين، ورأى في العالم الإسلامي مسلمين، ولم ير إسلاماً. ورغم بعض المبالغة في هذا القول، وما يمكن أن يُساق من نقد على الجملتين إلا أن ثمة جزءاً من المعنى صحيح.
وقد حرص الإسلام على تأكيد التميز في المضمون وفي الشكل، في المعنى القلبي وفي الشعائر الظاهرة المعبِّرة عنه، ومن هنا وجدنا الأذان يشرع منبهاً للصلاة، ولا يؤخذ بالناقوس.
وقد تنبأ النبي ص للمسلمين بأنهم سيقعون في حبائل نزعة التقليد، حتى لو دخل الآخرون جحر ضب لدخله المسلمون، وهذا ما يراه حتى الأعمى عندنا في هذا الزمان، وهذا واحد من آثار كثيرة تنبأت بحالة الانحطاط الحضاري التي حدثت ومازالت مستمرة.
ثانياً: الثقة بالنفس والوقوف ضد اختلالها:
1- أخبر النبي ص أصحابه أنه النبي الذي أنزلت عليه شريعة صدقت ما قبلها من شرائع ونسختها، ومن هنا انعدمت ضرورة أن يقلد المسلم الشرائع السابقة، ولا سيما أنها قد حُرِّفت وبُدِّلت وقد قال: "لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي".
2- ظهرت هذه الثقة بالنفس واضحة في قصة ربعي بن عامر الذي لم يبال بكل زخرف الفرس ومظاهر حضارتهم المترفة الفاسدة معلناً قوة العقيدة الجديدة القائلة بالانتقال من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.
3- وثمة ثقة هي في غاية الأهمية تخص ما أسميته في مكان آخر "الاستلاب التغلبي"، وهي الثقة بالقدرة على التغلب على الخصوم وعدم الخوف منهم، ويظهر هذا في قوله تعالى مادحاً المؤمنين: الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل 173 (آل عمران).
وقال ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين 139 (آل عمران).
وبالتأكيد كانت هذه الثقة المعنوية الهائلة مطلوب دعمها بإعداد القوة المادية المستطاعة وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل (الأنفال60) .
ثالثاً: السيطرة على الغرائز والشهوات: هذه إحدى النقاط الحاسمة التي تجعل الإنسان يسيطر على ذاته ويفعل ما تمليه مبادئه، ولا ينغمس في الدنيا، تسيره في نهرها الجارف كالغثاء.
هذه الحالة الغثائية نتجت كما يحللها الحديث المشهور عن حب الدنيا وكراهية الموت. والحال أن الرؤية الإسلامية تقول: إن الدنيا سلم للآخرة، تجب عمارتها بحكمة، وفقاً لما يرضي الله، وبالتحكم الكامل بالهوى، وعدم إرخاء الزمام للشهوات، قال تعالى: قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال \قترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى" يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين 24 (التوبة).
ولذلك كان الترف الزائد، والانسياق وراء الشهوات، علامة انهيار الحضارة، كما أخبرنا عز وجل: وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا 16 (الإسراء).
ومن هنا كانت الخشونة مطلوبة كما في قول الفاروق: "اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم". وفي سبيل السيطرة على الشهوات، فرضت عبادات كالصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، والصيام، والزكاة، والحج الذي لا يخلو من مشقة. ومن الأحاديث التي لم تدرس معانيها دراسة وافية، الحديث عن الجهاد الأصغر والجهاد الأكبر، ففي أوضاعنا الراهنة، نرى أن المسلمين، والعرب منهم خصوصاً، هم أقدر على الجهاد الأصغر منهم على الجهاد الأكبر! وأعتقد أنه ص لم يقصد فقط بجهاد النفس الجهاد ضد الشهوات الفردية الحسية الصغيرة، بل قصد مكافحة تلك العيوب النفسية الخطيرة، التي تحول دون تماسك المجتمع وتعاضده، وتقود إلى تفكيكه، وهذه العيوب نراها في مجتمعنا اليوم.
جهاد النفس يتضمن في اعتقادي إعادة بناء الذات الجماعية السياسية القادرة على الفعل، إذ إن ذاتنا الحالية تمتاز بفقدان القدرة على العمل الجماعي، ولنا في الحالة المزرية للجامعة العربية، أوضح مثال وأبعثه على الأسى!.
جهاد النفس في اعتقادي، وبهذا المعنى الذي ذكرته، هو الطريق للخلاص من الاستلاب المرير الذي يتبدَّى في فقدان السيطرة على المصير، عبر فقدان القدرة على الوحدة مع الآخرين، لبناء كتلة قوية ذات إرادة موحَّدة، تستطيع الوقوف بصلابة أمام تحديات العالم، وأمام الأخطار المحدقة. وفي اعتقادي أن إنهاء هذا النوع من الاستلاب هو الطريق المنطقي الموضوعي لإنهاء ظاهرة الفصام بين المجتمع والسلطة، لأن المجتمع الموحَّد المتماسك، سيفرض سلطة تعبِّر عنه. وإنما تغترب السلطة عن المجتمع حين يكون المجتمع نفسه مفككاً منقسماً. ولا أدلُّ على ذلك من المثال الواضح الذي تقدِّمه المجتمعات الغربية التي لا يوجد فيها فصام بين الحاكم والمحكوم، وبين إرادة الحكومة وإرادة الشعب.
.......................................................................
هوامش
(1)انظر "الاغتراب" ريتشارد شاخت ترجمة كامل يوسف حسين المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت 1980م. انظر مناقشته الختامية في الفصل السابع ص 299 331 .
(2)م.ن ص 299 .
(3)نشرت ذلك بعنوان "النظرية العامة للاستلاب" في كتاب هو "حول الحب والاستلاب دراسات في التحليل النفسي للشخصية المستلبة" دار الكنوز الأدبية بيروت 1995م ص 25 69 .
....................................................................
المصادر
1-معجم علم السياسة والمؤسسات السياسية/ بيار بيرنبوم
2- المعجم النقدي لعلم الاجتماع/ بودون وف. بوريكو
3-شمخي جبر/ جريدة الصباح العراقية
4- سعد مطر عبود/ موقع باب
5- سعاد جبر / دروب
6- هشام البستاني / جريدة الغد الاردنية
7- فرانسوا باسيلي / ميدل ايست اونلاين
8- توفيق المديني/ جريدة الاخبار
9- محمد شاويش/ مجلة المجتمع
ة المصدر: منقول عن شبكةالأنباء المعلوماتية

مصطلحات سياسية ساخرة

الشفافية:سمة ضرورية للملابس المستخدمة في العولمة
النظام العالمي الجديد : ويندوز اكس بي
العولمة :عملية تحول اجتماعي وثقافي وفني تتزعمه فيفي عبده .
الشات : مصيبة وجات على دماغنا .
التنوير : عملية تتم في الشوارع عندما يسكنها وزير .
النظام الملكي : عند وفاة الملك ينتقل الحكم لابنه ليصبح هو الملك الجديد .
النظام الجمهوري : عند وفاة الرئيس ينتقل الحكم لابنه ليصبح هو الرئيس الجديد .
المبايعة : ورقة تكتبها لما تبيع سيارة قديمة .
الديموقراطية : نوع من الفنون الزخرفية يستخدم لتزويق صورة الحكومة .
القانون : آلة تصدر أصوات جميلة لما تلعب فيها بأصابعك .
الحرية للجميع : للشعب أن يقول ما يشاء ، وللحكومة أن تفعل ما تشاء .
الدبلوماسية : أحسن هدية تصالح بيها مراتك ، بس بشرطالماس يكون حر .
السياسي المحنك : رجل يتسم بسعة الصدرعند المناقشة ، وسعة الكرش فيما عدا ذلك .
الحرب الأهلية : حرب البنت مع أهلها عشان تتزوج الشخص اللي هي تبيه .
العمل الثوري : هو مذكر العمل البقري .
الشريطالحدودي : الشريط الجاي لعمرو دياب .
اليهود : شعب يعيش على الأساطير ، يألفها في الأول ويصدقها بعدين . يعني بالعربي أسهل شعب ممكن يضحك عليه .
الله يرحم اللي ضحك عليهم مرتين .؟
الوحدة العربية : أن تعاني كل دولة عربية الشعور بالوحدة
منقول

lördag 8 mars 2008

اليوم العالمــي للمرأة

وضع المراة الليبية فى اليوم العالمى للمرأة

تحي الرابطة الليبية لحقوق الإنسان فى هذا اليوم ، 8 مارس، الذى يحتفل فيه العالم فى كل عام باليوم العالمى للمرأة.. تحي المرأة الليبية التى تناضل من أجل إقامة مجتمع ديمقراطي حر تتمتع فيه النساء، اللاتى يشكلن الأغلبية فى ليبيا، بجميع حقوقهن السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى داخل مجتمع تعددي حر يكفل للمرأة والرجل المساواة فى القانون والممارسة فى إطار احترام حقوق الإنسان كما جاءت فى الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف ليبيا. وتود الرابطة بهذه المناسبة التذكير بموقفها فى هذا الخصوص والذى أوضحته بجلاء فى البيان الذى أصدرته فى 8 مارس 2007 حيث نصت فقرته الثانية على الآتي:

"لا زالت المرأة الليبية تعانى من انماط راسخة من إشكال مختلفة من التمييز والتى أعاقت نهوضها وتقدمها وأيضا مشاركتها الفعالة فى النضال من أجل إرساء قواعد الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان. إن التمييز ضد المرأة يتنافى مع كرامة الإنسان وخير الأسرة والمجتمع، ويحول دون اشتراك المرأة على قدم المساواة مع الرجل، في الحياة العامة وعدم الاستفادة من طاقاتها الكامنة فى أي برنامج للتنمية. لقد آن الأوان لتعزيز دور المرأة الإنساني فى ميادين السياسة والفكر والأدب والإقتصاد وغير ذلك. لقد آن الأوان أن تصبح المرأة عاملا أساسيا في مشاريع التنمية والإنتاج وفي المشهد الثقافي لها دورها المهم في القرار السياسي والمعارضة السلمية، وأن تخرج من موقع العالة على الأب والأسرة ومن ثم على زوجها الى مكانة أخذ زمام المبادرة من أجل المساواة مع الرجل في المكانة والقدرة باعتبارها إنسانا حرا كاملا يساهم في الإنتاج ويشترك في الاستهلاك تماما كالرجل. وفى المقابل فقد آن الأوان لوضع حد لمظاهر العنف المعلنة وغير المعلنة ضد المرأة والتى تشمل، على سبيل المثال لا الحصر، العنف الجسدى والنفسى الذي يقع في إطار العائلة بما فيه الضرب والعنف الكلامي وما يسمى بجرائم الشرف والاغتصاب في إطار الزوجية والعنف المتصل بالاستغلال وغيره من الممارسات التقليدية الضارة بالمرأة وبالمكانة التي يجب أن تتبوأها".

أما الأمم المتحدة فقيمت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان فيها وضع المرأة اللبيبة فى أكتوبر 2007 بمناسبة تقديم الحكومة الليبية لتقريرها عن تنفيذها لبنود العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وقد جاءت نتيجته كالآتى:

1. تأسف اللجنة لأن القوانين الليبية تجيز الاحتجاز القسري لنساء لم تُوجه إليهن اتهامات، في ما يُسمى بمرافق التأهيل الاجتماعي، من أجل حمايتهن وفقاً للدولة الطرف، دون أن يتمكنَّ من الطعن في أمر اعتقالهن أمام المحكمة.

على الحكومة الليبية إعادة النظر في الأحكام القانونية التي تجيز في الوقت الراهن اعتقال النساء رغماً عنهنَّ في ما يسمى بمرافق التأهيل الاجتماعي.

2. وتظل اللجنة تشعر بالقلق أيضاً من أن الدولة الطرف لم تعتمد بعد تشريعاً يتعلق بحماية النساء اللائي يتعرضن للعنف، ولا سيما العنف المنزلي.
ينبغى للحكومة الليبية أن تتخذ كافة التدابير الضرورية لمناهضة العنف ضد النساء على نحو فعال، ومنها سن التشريعات الملائمة. ويرجى من الدولة الطرف تقديم معلومات مفصَّلة عن هذا الموضوع فضلاً عن بيانات مفصَّلة عن محاكمتهن في تقريرها الدوري القادم.

3. وبينما تلاحظ اللجنة بعض التطورات الإيجابية فيما يتعلق بالنهوض بالمرأة، خاصةً ما يتعلق منها بقبولهن في الجهاز القضائي وبإنشاء مركز للدراسات النسائية ودائرة للشؤون النسائية، فإنها تؤكد من جديد على قلقها من أن يدوم بقاء أوجه عدم المساواة بين النساء والرجال، قانوناً وممارسةً، في كثير من المجالات التي تتعلق تحديداً بالإرث والطلاق
.
على الحكومة الليبية مراجعة قوانينها لكفالة المساواة بين الرجل والمرأة في قضايا الأحوال الشخصية، وخاصةً ما يتعلق منها بالطلاق والإرث. وعلاوة على ذلك، ينبغي للدولة الطرف أن تضمن أن المساواة بينهما مكفولة قانوناً وممارسةً.
(انتهى الاقتباس)

تنتهز الرابطة مناسبة الإحتفال باليوم العالمى للمرأة لتحث الليبيين، نساءا ورجالا، على مضاعفة جهودهم من أجل القضاء على كل الممارسات، التقليدية وغير التقليدية، التى لا تحترم حقوق الإنسان الأساسية للمواطن بغض النظرعن الجنس أو اللون أو الفكر. وتدعو كافة المؤسسات والتنظيمات فى الداخل والخارج على اختلافها لأخذ دورها من أجل التربية والتثقيف لبناء مجتمع حضاري يحترم أبناءه وبناته ويتخلص من المعتقدات والأفكار النمطية التي لا تعطى المرأة حقها والعمل على نبذ كافة أشكال التمييز والعنف ضدها داخل العائلة والمجتمع.

اليوم العالمى للمرأة، 8 مارس2008
المصدر
موقع ليبيـا الجديدة